مهن للطيبين فقط

مهن للطيبين فقط

المغرب اليوم -

مهن للطيبين فقط

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

 

عندما نتحدث عن عالم المهن واستحقاقات العمل الجيد فإننا نركز، ولنا الحق في ذلك، على الكفاءة والصنعة والجدية. وكما نرى فهي خصال أساسية تمكن صاحبها من النجاح في مهنته، والمجتمع يستفيد من عمله وكفاياته.

ولكن هل هذا كل ما يستلزمه العمل بالنسبة إلى كل المهن؟ هل هذه الشروط هي نفسها المطلوبة ولا شيء غيرها؟

نظرياً وعملياً وموضوعياً فإن شروط الكفاءة والجدية والمهارة كافية جداً. بل إن توفر هذه الشروط الثلاثة مجتمعة يعد حظاً كبيراً وإنجازاً في عالم أصبح فيه التقاعس والرغبة في الربح السريع والوصول إلى الثروة، الغاية والوسيلة معاً.

في الحقيقة كل هذه الديباجة في وضع شروط العمل والنجاح في ممارسة أي مهنة لا غبار عليها وتظل منتهى ما يمكن تحقيقه.

غير أن التجربة في المجتمع وأخذ خبرة عامة حول مفاتيح النجاح في المهن وتوزيع المهن حسب القطاعات والمجالات وطبيعة الفئات التي تُسدَى لها الخدمات قد تحتاج إلى وضع بعض الإضافات، أو لنقل إضافة شرط إلى خانة معينة من المهن.

طبعاً هذا الشرط لا صلة له بامتلاك اللغة الإنجليزية ولا بضرورة التمكن من استعمال تكنولوجيا الاتصال والإبحار في العالم السيبراني. هو شرط لا يخطر على البال ولا يمكن للنظريات أن تتفطن له. شرط هو ثمرة الخبرة في الحياة والاطلاع على عوالم المهن ذات الصلة بالعمل الاجتماعي مع الفئات الاجتماعية المهمشة والفاقدة للسند أو هي في حالات تهديد. إنه شرط الطيبة. العمل مع الفئات الاجتماعية الضعيفة والموجوعة اجتماعياً لا يمكن أن يقوم به وينجح فيه إلا الطيبون فقط.

في عالم الأطفال وكبار السن الفاقدين للسند تحتاج إلى أشخاص لهم من النبل ما يجعلهم يفكرون خارج التوقيت الإداري للعمل وخارج الواجب المهني المحدد. تحتاج إلى أشخاص يتورطون بسرعة عاطفياً ويصبح الطفل اليتيم وغيره الفاقد للسند والمتخلى عنه وكبير السن الوحيد المحتاج... كلهم معنيون بهم ويهمهم متابعتهم والسهر على راحتهم وتفهم حتى توترهم ومزاجهم المتقلب باعتبار أن أسرهم لفظتهم وانكسروا اجتماعياً وأصابهم الوجع الذي لازمهم.

إن التعاطي مع هذه الحالات يتطلب نفساً واسعة وصدراً رحباً وقلباً طيباً يشعر بهم ويفهمهم ويتفهم حتى تجاوزاتهم. لذلك فهي ليست مهناً للجميع ولا يمكن لأي مؤسسة ترغب في انتداب إطارات للعمل في مراكز إيواء أو رعاية أن تدرج مثل هذا الشرط صراحة، بل إن الذي يترشح لمثل هذه الخطط هو المطلوب منه أن يتحاور مع نفسه مطولاً وأن يعدد مشاق العمل في المجال الاجتماعي الهش وأن يكون مستعداً لفناء حياته المهنية في خدمة فئة هشة من دون أن يتذمر أو تكون تلك المهنة سبباً في جني أفعال يحاسب عليها في الدنيا والآخرة.

من هذا المنطلق، فإن الذاهب إلى عوالم الفئات الهشة للعمل ورعايتها ليعلم أنه في عالم مفاتيحه الطيبة، والنبل، وحبّ الإحسان والخير.

من جهة ثانية، من المهم بالنسبة إلى الدول أن تضع أطراً مهنية خاصة للعاملين في خدمة الفئات الهشة وأن تتعاطى مع هذه المهن بوصفها شاقة وتستنزف العاملين فيها بدنياً ونفسياً. ففي عوالم كبار السن المتخلى عنهم والأطفال ضحايا التقصير والإنجاب خارج إطار الزواج توجد خلاصة الخيبات والفشل الاجتماعي، أي أن العاملين في هذه العوالم يتعاملون مع نفسيات هشة مدمرة تجر آلاماً وخيبات ومشاعر مختلطة من الغضب والحرمان والاحتقان. هم باختصار في أوساط غير طبيعية لأن مسار حياتهم وظروفهم غير طبيعية، الشيء الذي يتطلب قدرة على التحمل وكفاءة نفسية معرفية في التعهد بهم ومرافقتهم.

وعملياً المطلوب من المشرعين في مجال العمل، التعاطي بخصوصية مع العاملين في القطاعات الاجتماعية الهشة، بخاصة أن عدد المهمشين في العالم في تزايد، حيث ارتفاع نسب الطلاق وظاهرة التخلي عن الأبناء والعنف وتراجع تأثير ودور مؤسسات الأسرة لصالح تنامي الفردانية، إضافة إلى ما خلفته التوترات والحروب والصعوبات الاقتصادية من أيتام وأرامل وكبار سن ومرضى وأصحاب إعاقات... ونعتقد أننا فعلاً أمام نوع من المهن يستحق أن نطلق عليه توصيف المهن الشاقة، وبناء عليه تخضع هذه المهن إلى عدد معين من ساعات العمل ومن مكافآت مالية جاذبة للعمل في بيئة ترى فيها قبح المجتمع والإنسان وماذا يمكن أن يفعل في الأطفال والمسنين والمهمشين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهن للطيبين فقط مهن للطيبين فقط



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib