خطورة ارتفاع سعر الورق

خطورة ارتفاع سعر الورق!

المغرب اليوم -

خطورة ارتفاع سعر الورق

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

كل العالم يتحدَّث ويشكو من ارتفاع الأسعار، سواء بالنسبة للحبوب، أو المحروقات خاصة. ووسائل الإعلام تعكس بدورها المشهد من خلال البرامج الحوارية التي تركّز على المواضيع المذكورة وارتفاع أسعار المنتجات عامة بسبب ارتفاع تكلفة النقل.
نتحدَّث عن ارتفاع سعر أغلب المنتجات ونسكت عن ارتفاع سعر الورق.
إنه صمت كامل: فلا حديث في وسائل الإعلام عن ارتفاع أسعار الورق ودلالات ذلك وتداعياته وما يخفيه هذا الأمر من مخاوف حقيقية.
فالحضارة الإنسانية هي في الأساس حضارة ورق، فقد بدأ التاريخ الإنساني والتاريخ نفسه مع اكتشاف الكتابة والورق. وتعجُّ كتبُ التاريخ بتاريخ الورق والحضارات التي احتفلت به وطورته.
لقد كتب الإنسان تاريخَه وقصته في الوجود على الورق. ومع ذلك لا نهتزّ لارتفاع أسعار الورق، خاصة وأنَّ ارتفاعه يعني كثيرا من الأشياء التي تقودنا في أبسط الحالات إلى وضع علامات استفهام.
طبعاً أسباب ارتفاع سعر الورق معروفة، وللعلم فإن ارتفاع سعره ليس حديث العهد أو مرتبطا بالحرب الروسية الأوكرانية فقط، بل إنَّ دور النشر في معارض الكتاب كلما سُئلت عن سبب ارتفاع سعر الكتاب، جاء الجواب: الورق سعره نار، وهو الشيء الذي أثر على تكلفة الكتاب ومن ثم سعره.
إنَّ طرح هذه المسألة يكتسي أبعاداً كثيرة، لعل أهمها ما يتصل بالتعليم، والقراءة، والثقافة، والإبداع. ذلك أن ارتفاع سعر الكتاب يعني آليّاً تدهور القدرة على توفير اللوازم المدرسية من كتب وكراسات، ولا يخفى دور الفقر والحاجة في التسرب الدراسي والانقطاع عن الدراسة. ومثل هذا الانعكاس السلبي بمفرده كاف جدا لتحديد الآثار الوخيمة لارتفاع سعر الورق، خاصة أن الدول لم تعد تمتلك القدرة نفسها على توفير الدعم للورق. بمعنى آخر فإن العلاقة طردية بين ارتفاع سعر الورق، وما ينجر عنه من ارتفاع آلي وجنوني في أسعار الكتب المدرسية والكراسات من جهة، وتزايد أعداد الأطفال المحرومين من التعليم والأطفال الذين يضطرون لترك مقاعد الدراسة من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، فإن الأثر السلبي الإضافي يتصل بالقراءة والمطالعة، من منطلق أن غلاء أسعار الكتب يؤدي إلى تراجع عدد القراء وتراجع عدد مشتري الكتاب، وهو ما نلاحظه في معرض الكتب الدولية، حيث تتحكم المقدرة الشرائية التي هي في تدهور في غالبية دول العالم اليوم، إضافة إلى ارتفاع أسعار الكتب، فإن المواطن في العالم أصبح يجد صعوبة مضاعفة في اقتناء كتاب، إذ أصبح سعر الرواية يبلغ الثلاثين دولاراً بكل سهولة.
لذلك، فإن ارتفاع أسعار الكتب لها أثر آلي ومباشر وسببي على انحسار المطالعة واقتناء الكتاب، بما في ذلك المعنيون بالقراءة ومتابعة أحدث الإصدارات، ونقصد بذلك المثقفين والباحثين، فهذه الفئة على سبيل المثال تقلصت لديها الكتب الضرورية للدراسات والأبحاث، إذ أصبحت ميزانية عشرة كتب في مدى ثلاث سنوات، لا تمكن الباحث اليوم إلا من اقتناء ثلاثة كتب في أحسن الأحوال، مما يفيد بأن ارتفاع أسعار الكتب سيؤثر - ليس فقط - على التشجيع على القراءة والمطالعة، بل على مسألة البحث العلمي.
وعند هذه النقطة من المهم التذكير بأن واقع القراءة ليس على ما يرام، ومرشح لمزيد من التدهور. فلو أخذنا بما تنشره بعض التقارير لوجدنا أن الأوروبي مثلاً يقرأ 200 ساعة في العام، في مقابل تقارير عربية تقول إن العربي يقرأ 6 دقائق فقط.
والجدير بالتوقف عنده أنه في الوقت الذي تم فيه الانطلاق في حملات ترغيب في القراءة، واعتبار القراءة على رأس الممارسات الثقافية للشعوب، ناهيك من أن القراءة بواسطة الكتاب باتت مهددة حتى في صورة عدم ارتفاع أسعار الكتب، بسبب هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي والإدمان على الإنترنت بشكل احتكر الزمن اليومي ولم يترك مجالاً لتصفح الكتب وقراءتها.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يتجاوز إلى التأثير على وتيرة النشر الضعيفة أصلاً وهكذا سيجد المبدع صعوبة أكبر في الحصول على ناشر يطبع له كتابه، ولن يغامر مع الكتاب الجدد والشباب، لأن رهان الناشر سينحصر أكثر فأكثر في الأسماء المضمونة تجارياً. وهذا يعني أننا سنخسر عدداً من المبدعين المستقبليين، وهي خسارة فادحة جداً، لأن رأس المال الحقيقي بين الأمم والجدير بالتباهي به إنما هو الإبداع والفكر.
بل إن ارتفاع سعر الورق سيحد حتى من مشاركة الناشرين في المعارض، الشيء الذي سيمنع الكتاب من السفر والوصول إلى يد المريد أينما كان.
ارتفاع سعر الورق مشكلة لا ضجيج لها، ولكنها ذات آثار تظهر مع الوقت. وبالنسبة لنا نحن المجتمعات العربية لا نحتمل إلا كتاباً قيماً وبسعر مقبول، لأن سر نهضتنا الثقافية والاقتصادية في الورق أولاً.
خطورة ارتفاع سعر الورق تتجسد في أن ما نراه من فقر في القراءة سيزداد رداءة، خاصة لدى الأسر الفقيرة، حتى وإن كنا نتجه الآن إلى الكتاب الرقمي. ويكمن الخطر الآخر في أن البحث العلمي في بلداننا سيعجز عن ملاحقة البحوث العلمية في دول العالم، نظراً لزيادة التكلفة ومن بينها سعر الورق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطورة ارتفاع سعر الورق خطورة ارتفاع سعر الورق



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib