هناك تربية ضرورية تسمى ما قبل مدرسية

هناك تربية ضرورية تسمى: ما قبل مدرسية

المغرب اليوم -

هناك تربية ضرورية تسمى ما قبل مدرسية

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

الغالب على تمثلات مجتمعاتنا للتربية في بلداننا هو ربطها القسري والحصري بالمدرسة، أي إن تربية الطفل تبدأ مع ارتياده أول يوم للمدرسة.
طبعاً مثل هذا التصور يتضمن في طياته مخيالاً إيجابياً للمدرسة ولوظيفتها وكيف أنها تضطلع بوظيفة التنشئة الاجتماعية، خصوصاً أن علماء الاجتماع يَعدّون مؤسسة المدرسة إطاراً أولياً للتنشئة مثلها في ذلك مثل الأسرة.
ولكن هذا المخيال ظل غير مواكب للتطورات الحاصلة في نمط العيش وتوزيع الأدوار وما عرفته المدرسة نفسها من تحول نوعي في الوظيفة والدور. ذلك أنه العالم المتقدم من عقود طويلة وهو يكرس ما يسمى التربية ما قبل المدرسية، وهي تربية باتت أساسية ولا غنى للطفل عنها وتؤدي دور إذكاء مهارات الطفل وتتدخل في إظهار ذكائه وتنميته، الأمر الذي يعود بالنفع على المجتمع والمستقبل.
ما تقوله الأرقام والإحصائيات يشير إلى تواضع اهتمام بلداننا بالتربية ما قبل المدرسية بما فيها البلدان التي راهنت على التعليم وأولته المكانة المركزية، ووصلت فيها اليوم نسبة التمدرس مائة في المائة أو على مشارف الوصول. لذلك فإننا نجد في بلدان نصف الأطفال فقط يتمتعون بالحق في التربية ما قبل المدرسية وفي بلدان أخرى نجد الثلث وأحياناً الربع، وهناك من البلدان ما هي دون ذلك.
ما ندافع عنه في هذا المقال هو أن الطفل يحتاج إلى التربية ما قبل المدرسية. وندافع أكثر على مبدأ تكافؤ الفرص بين الأطفال في العالم.
تكتسي الفترة العمرية من الولادة إلى سن السادسة أهمية قصوى لأنّ الطّفل ينمو خلالها على المستوى البدني والإدراكي أو المعرفي الاجتماعي والعاطفي، وللرعاية التي يحظى بها الطفل خلال هذه الفترة، تأثيرات جوهرية على شخصيته يمكن إدراك تأثيراتها في سن البلوغ. لذلك وجب إيلاء هذه المرحلة العمرية عناية خاصة باعتبار أن 90 في المائة من نمو دماغ الطفل يتم خلالها (في سن السادسة يبلغ نمو دماغ الطفل 90 في المائة من نموه المرتقب عند سن البلوغ). وفي صورة عدم استغلال هذه المرحلة الاستغلال الأمثل فإن عمليّة تنمية الطفل وإكسابه الكفاءات الضرورية ستكون أصعب ومنقوصة في غالب الأحيان. ويشهد نمو الطفل مرحلتين أساسيتين تستوجب كل واحدة منهما أساليب تدخل خاصة وبالتالي أساليب مناسبة.
تبدأ الفترة الثانية من حياة الطفل من سن الثالثة لتمتد على سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات حتى الفترة التي تسبق التحاق الطفل بالمدرسة الابتدائية. وتنمو احتياجات الطّفل بنموّه وتتنوع حسب مقتضيات تنشئته الاجتماعية وبناء قدراته الإدراكية الأكثر تعقيداً. لذلك، تتواصل أهمية دور الأسرة في مسار نمو طفلها، غير أنّ هذا النمو يحتاج في تلك المرحلة لاندماجه مع أطفال آخرين لبعض الوقت في إطار هياكل ومؤسسات منظمة.
إن تعبير «التربية ما قبل المدرسية» ينطوي على اختلافات نسبية بين مؤسسات ما قبل الدراسة (بمختلف أصنافها) سواء على مستوى الوعي بأهمية المرحلة وخصوصياتها، أو فيما يتعلق بالمضامين الموجهة للطفل والممارسات البيداغوجية المعتمدة داخل هذه الفضاءات، وذلك أمام الأهمية البالغة لمرحلة التربية ما قبل المدرسية وتأثيرها على المسار الدراسي للطفل في المرحلة الابتدائية وعلى نتائجه. ولقد أثبتت الدراسات أن قرابة ثلاثة أرباع الأطفال الذين ينقطعون عن الدراسة إنما يعود ذلك إلى عدم مرورهم بتجربة التربية ما قبل المدرسية، الأمر الذي يُنتج فوراق واضحة بين تلميذ استفاد من كفاءات التربية ما قبل المدرسية وبين طفل أعزل معرفياً لا يعرف شيئاً، وهو وضع يخلق شعوراً بالنقص وبالتمييز.
ومن المهم أن نعطي مرحلة الطفولة المبكرة حقها من الأهمية، ففي هذه المرحلة تتشكل لدى الطّفل، بدايةً من السنة الرّابعة، مواقف أكثر موضوعيّة لتتحوّل في مرحلة لاحقة إلى اقتدارات سلوكيّة. وفي هذه المرحلة تنمو علاقات الطّفل الاجتماعية وتتكاثف في مختلف ما يقوم به من أنشطة.
إن مسألة التربية ما قبل المدرسية والحق في روضة أطفال من الموضوعات التي تمثل مقياساً ندرك من خلاله واقع الطفولة في أي بلد. ولا شيء يحرض على التغيير والاجتهاد مثل تغيير واقع الطفولة لأنه استثمار عميق ومضمون النجاح في الإنسان وفي المستقبل.
كما أن التمييز بين الأطفال وتمكن طفل من التمتع بحق أساسي يتمتع به غيره لأن عائلته ميسورة الحال من الظواهر التي تحتاج إلى معالجة ويقظة واستثمار بالمال والجهد وبكل ما نملك في داخلنا من طفولة أو بقايا طفولة.
هناك تربية مدرسية وهناك تربية ما قبل مدرسية. واليوم باتت كل منهما ضرورية، بل إن التربية المدرسية مشروطة أكثر من أي وقت مضى بالتربية ما قبل المدرسية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هناك تربية ضرورية تسمى ما قبل مدرسية هناك تربية ضرورية تسمى ما قبل مدرسية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib