الحق في شيخوخة آمنة

الحق في شيخوخة آمنة

المغرب اليوم -

الحق في شيخوخة آمنة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

عادة ما ينصب الاهتمام حول الشباب ومشكلات الهجرة والبطالة والصراع بين الأجيال، ومنذ سنوات بدأ الاهتمام بالطفولة، وكذلك لاحظنا تنامي الاهتمام بمسألة المرأة... ولكن قلما يتم طرح مسألة كبار السن.

وكما نعلم، فإن العالم يحيي غداً اليوم الدولي للمسنين، وهي مناسبة لنعاين واقع هذه الفئة العمرية، وأي تحديات تعرفها في لحظة عالمية متعددة الحراك والتغييرات.

تقول التقديرات الأمميّة إنه من المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر في جميع أنحاء العالم، ليرتفع من 761 مليوناً في عام 2021 إلى 1.6 مليار في عام 2050. ويتزايد عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عاماً أو أكثر بشكل أسرع. ومثل هذه الإسقاطات السكانية تفيد آلياً بارتفاع الحصة العالمية من المسنين من أقل من 10 في المائة إلى نحو 17 في المائة. أي أنه بعد ربع قرن سينتمي نحو خمس السكان إلى فئة كبار السن.

لنقلها صراحة: لم يكن موضوع كبار السن يطرح؛ لأنه موضوع أخلاقي وقيميّ، ولأن التضامن الأسري كان يملي العناية بكبير السن وإيلاءه مكانة اعتبارية في الأسرة والمجتمع. وفيما يتعلق بالنسق الثقافي العربي والإسلامي فإن فئة كبار السن تهيمن على أدوات السلطة في المجتمع بشكل جعل غالبية الحكام كبار سن، وكبار المثقفين والمبدعين كبار سن، ورجال الدين المؤثرين كبار سن، وهي مراتب نتاج ثقافة تولي تقديراً مخصوصاً لكبار السن. ومن رحم هذه الثقافة ظهرت أصوات في الفضاء العربي الإسلامي تدعو إلى التشبيب ومنح الشباب فرصته في الحكم، وفي الاعتراف بقدراته الإبداعية، وفي ضخ دماء جديدة في كافة مناحي الحياة والفعل والإنجاز. وفي الحقيقة بدأت هذه الأصوات تؤتي أكلها ونرى تشبيباً يختلف من بلد إلى آخر في وتيرته وحجمه.

المشكلة اليوم أن الأسرة بوصفها مؤسسة حاضنة تاريخياً لكبير السن تعرف بفعل التحديث الذي انطلق من عقود تغييرات مست من مكانة كبير السن. كما أن الفردانية باعتبارها طريقة في الحياة تفرض نمطاً من العلاقات الاجتماعية لا وجود فيه لمراعاة الغير ولتحمله ولمعنى التضحية... هذه التغييرات أدت إلى ظهور فئة من كبار السن فاقدة للسند، الشيء الذي ضاعف من الدور الاجتماعي للدولة.

وبشكل عام، اليوم هناك مأزق حقيقي في هذا الصدد، حيث إن اهتمام الدولة بهذه الفئة وتوفير مراكز الرعاية بقدر ما هو جوهر الدور الاجتماعي للدولة وإنقاذ لكبار السن من الشارع ومن الاستغلال وهدر الكرامة، فإنه أيضاً تشجيع غير مقصود لتراجع الأسرة عن أداء دورها الطبيعي والتاريخي.

لذلك، فنحن مدعوون في العالم العربي والإسلامي إلى استباق استفحال الظاهرة والقيام بغرس ثقافي واع ومقصود من أجل إعادة تجذير مكانة المسن في العائلة باعتبار أن التفريط في حق هذه الفئة في التضامن العائلي والعناية والرعاية والدعم النفسي والإحاطة بها إنما يمثل عطباً قيمياً وأخلاقياً يمس عصباً رئيسياً في النسق الثقافي العربي الإسلامي.

من ناحية أخرى، من المهم للدول الانتباه في سياساتها في مجالات الإسكان والنقل والصحة إلى تزايد هذه الفئة العمرية، وخاصة إلى ارتفاع أمد الحياة بالنسبة إلى الجنسين، الشيء الذي يعني أن ملايين من كبار السن باتوا يحتاجون إلى خدمات تمتد على سنوات طويلة، مما يضاعف من أهمية دور الأسرة، وإلى ضرورة إيلاء الحماية الاجتماعية أهمية مضاعفة.

وبالنسبة إلى أوروبا والغرب عموماً، فإن الغالب على السكان هم فئة كبار السن، ونلحظ وجود إقامات خاصة بهم وجهوداً مبذولة من أجل خدمات ذات جودة لهذه الفئة المهيمنة على النسيج السكاني لدول عدة.

وما يمكن ملاحظته هو أن العالم يسير نحو ارتفاع عدد المسنين، وهو مُعطى يطرح تحديات كبيرة أمام صناديق الضمان الاجتماعي والتقاعد، خصوصاً مع ارتفاع أمل الحياة الذي وضع صناديق التقاعد في أزمات مالية والمسن الذي كان لا يتمتع بتقاعده إلا بضع سنوات أصبح يتمتع بتقاعده لعقدين كاملين وأحياناً أكثر.

ومن المتوقع في صورة تواصل انسحاب الأسر من الاضطلاع بدورها، وتزايد هذه الظاهرة وانتشارها مع الزمن وتعاقب الأجيال، فإن الدول ستجد نفسها في مشكلة حقيقية. ناهيك عن أن خلق سوق لتلبية حاجيات المسنين والخدمات من شأنه أن يفتح نوافذ اقتصادية جديدة، على ألا نتنازل عن دور الأسر مهما تقدم المجتمع في مساره التحديثي، حيث إن البيئات الداعمة تؤدي دوراً محورياً في إدماج المسنين، وفي إعطاء نهايات العمر معناها الإنساني القيمي للمسن وللمجتمع، ولمعنى الوجود والثقافة، وخاصة في تلبية الحق في شيخوخة آمنة بعيدة عن مظاهر التهديد ومصادرها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحق في شيخوخة آمنة الحق في شيخوخة آمنة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib