القوانين وتغيير واقع النّاس

القوانين وتغيير واقع النّاس

المغرب اليوم -

القوانين وتغيير واقع النّاس

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

كثيراً ما يرتبط الخطاب حول تغيلير واقع الشعوب وتحقيق التنمية والتقدم، وصولاً إلى الرفاه الاجتماعي، بإثارة الصعوبات المالية وضعف الموارد وغير ذلك من المسائل، التي تستجوب البحث عن حلول من أجل ركوب قطار التنمية، وتغيير واقع النّاس نحو الأفضل، خصوصاً فيما يتعلق بالمرافق الأساسية الضامنة للحريات العامة التي تحددها التشريعات الوطنية والدولية.

ولكن، لا نطرح صراحة الحاجة إلى ثورة قانونية لتعاضد المشروع التنموي.

ما يفوتنا في الخوض فيه أن لا تغيير اجتماعياً حقيقياً ولا تنمية صلبة وجادة من دون قوانين تُحدث ثورة في حياة الناس وفي الإدارة، وتدفع لتنفيذ إعطاء الحقوق والمواطنة الفعلية.

طبعاً هناك ارتباط شرطي بين تغيير الواقع ومعالجته وتحسينه وإعادة صياغته وبين تنقيح القوانين وإصدار قوانين جديدة.

ولا يمكن حدوث التغيير من دون ثورة على مستوى التشريعات.

الفكرة الأولى التي اشتغلت عليها أوروبا على نحو جلّي هي الرهان على القوانين في تغيير الثقافة والقيم، وهنا نستحضر الثورة الفرنسية بوصفها أحسن مثال، ذلك أن تغيير العقليات بدأ مع مقاربة قانونية جديدة للعلاقات الاجتماعية تؤمن بالمساواة، ووضعت نظاماً جديداً للملكية. بل إن الحريات، ومن ضمنها ما يتصل بالعمال وحقوقهم مثلاً، كانت أساس التغيير الاجتماعي والسياسي في أوروبا، إذ إن الذهاب المبكر إلى الديمقراطية تطلّب محو تشريعات واستبدال أخرى بها. ومن ثم فإن القوانين كانت في حقبات تاريخية كثيرة بمثابة العامل الأساسي للانتقال من زمن إلى زمن، وكثيراً ما كان يحصل ذلك تحت مسمى الإرادة السياسية، باعتبار أن قوة إرساء القوانين وطرحها ووضعها وفرض تطبيقها هي تعبير صريح وانعكاس للإرادة السياسية المختلفة.

لذلك نلاحظ أن رجال القانون هم أكثر النخب مشاركة في تأسيس الدول، لو نعاين مثلاً تاريخ استقلال أي دولة سنجد أن النخبة القانونية كانت حاضرة في مرحلة التحرير الوطني، ولكن أيضاً كانت أساسية في عملية بناء الدولة المستقلة.

لذلك فإن ما كان في الخمسينات والستينات يعدّ قوانين ثورية، أصبح اليوم بالياً وغير قادر على تلبية شروط التنمية المستدامة وتطلعات الشباب وإنجاز الاستراتيجيات الموضوعة من أجل تحسين واقع العمل والشباب والاقتصاد وغير ذلك.

بمعنى آخر، فإن الأهداف تتدخل في تحديد الحاجيات القانونية التي لا تلبيها القوانين المعمول بها. بل إن الثورة القانونية وحدها الضامنة أكثر من أي معطى آخر، بما في ذلك المال لتحقيق المنفعة للناس. كما أن ما يتصل بالقيم والثقافة لا شيء يسرع في تغييره أكثر من الثورة التشريعية، وهو ما قامت به مختلف التجارب في العالم التي سعت إلى وضع نسق مختلف للعلاقة بين الجنسين وفكر المساواة، أي أنها اعتمدت مقاربة القوانين الاستباقية من أجل التسريع في وتيرة التغيير الثقافي للمجتمع.

وحقيقة في كثير من الأحيان، نلاحظ أن القوانين مفصولة عن الواقع، وهو أمر مانع للتقدم والمعالجة. والمفروض هو وجود علاقة تفاعلية بين الواقع المعيش والقوانين المعتمدة، باعتبار أن فلسفة التنقيح أصلاً هي آلية قانونية من أجل جعل القوانين مواكبة للواقع، ومن أجل تعديل معوقات التطبيق على أرض الواقع، وإذا لم يتم ذلك فإن القانون يفقد نجاعته، لأن العلاقة بالواقع مفصولة وشكلية، وهو ما يتضارب مع منفعة الناس.

لم يعد ممكناً اليوم تحقيق أي هدف تنموي اجتماعي من دون تشريعات جديدة تعاضد المشروع الاجتماعي وتسانده وتيسر له الطريق.

لا شك في أن أهم تحدٍّ من أجل تحقيق الثورة التشريعية، التي من دونها لا يمكن بلوغ التقدم وتحسين المؤشرات، يتمثل اليوم في تحديد القوانين التي يحتاج إليها كل شعب بفئاته المختلفة كي يكون فاعلاً ونشطاً وإيجابياً ومقبلاً، وهو ما يستدعي علاقة قرب وإنصات بين النخب والشعوب، ورصداً للمعوقات والمشاكل وحصر مواطن العطب ليكون التدخل فيها موفقاً.

باختصار، بالتوازي مع توفير الاعتمادات ووضع الاستراتيجيات لا بد من طرح سؤال يتصل بالقوانين اللازمة ليتم بلوغ الهدف المنشود أو طرح السؤال الأكثر جودة ودقة: ما القوانين التي يمكن أن تعطل تحقيق أهداف أي مشروع من شأنه المساهمة في تغيير واقع الناس؟

لا ننسى أن كل ما هو من وضع الإنسان هو غير دائم الصلاحية في غالب الأحيان، ذلك أن القوانين تعبّر عن حاجيات الإنسان والحياة، وهي ليست ثابتة بقدر ما هي متغيرة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القوانين وتغيير واقع النّاس القوانين وتغيير واقع النّاس



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib