الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

المغرب اليوم -

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

ليس جديداً القول إننا نحيا في عالم انفصامي بامتياز: منذ عقود راجت مقولة أن العالم أضحى قرية صغيرة بسبب العولمة وتكنولوجيا الاتصال والثورة الحاصلة في وسائل النقل... الكل صدق هذه المقولة وراقت له لما لمفهوم القرية من معانٍ تبعث على الدفء والحنين والعلاقات القريبة.

وفي إطار التشظي الذي يميز عالمنا اليوم فإن المقولة المشار إليها لم تمنع من ظهور مفهوم الهجرة غير النظامية الذي أصبح شائعاً، وصارت هذه الهجرة من أهم الموضوعات الدولية مثلها مثل تغير المناخ وقضية الشرق الأوسط.

الأمر لا يقف عند ملاحظة التشظي، بل إنه يزحف في اتجاه لغة المخاتلة وإخفاء الحقائق.

من يتابع خطاب الاتحاد الأوروبي بخصوص مشكلة الهجرة غير النظامية، أو تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة الرافضة لوجود المهاجرين على أراضي بلدانها، يخطر في ذهنه للوهلة الأولى أن أوروبا ضحية هجوم المهاجرين غير النظاميين الذين يجتازون حدودها ويفرضون أنفسهم ويشوشون على شعوبها حياتهم واستقرارهم.

فالصورة الحقيقية هي ما تقوم به بعض بلدان أوروبا من مساعٍ حثيثة من أجل إيقاف ظاهرة الهجرة غير النظامية وإقناع العالم بأنها تطالب بحقها في التصدي لهجرة يصفها العالم بكونها غير قانونية.

السؤال: هل مثل هذا الخطاب المخاتل الذي يفتقر إلى التاريخ والذاكرة يكفي كي تكتب أوروبا والبلدان التي تعتبر نفسها الأكثر تضرراً من الهجرة غير النظامية سردية تكون فيها بالفعل بريئة وضحية؟ وأيضاً لماذا ارتفعت نبرة التذمر من الهجرة غير النظامية في هذه السنوات حتى أنها أصبحت الشغل الشاغل لأوروبا؟

لعله من المهم أن نضع بعض النقاط على الحروف وأول ما يستحق التذكير به هو أن أوروبا أول من مارست الاستعمار حين ارتأت أن تتوسع وتجمع المواد الأولية والثروات الطبيعية من البلدان التي احتلتها طمعاً في بناء نهضة صناعية كبيرة. ولقد حققت أوروبا من خلال الاستعمار ما أرادت، وإضافة إلى نهبها الثروات الطبيعية، فإنها فتحت بلدانها لليد العاملة المغاربية والأفريقية كي تبني لها نهضتها العمرانية وتقطف لها حصادها الزراعي. واستمر ذلك لعقود حتى بعد خروج فرنسا وبريطانيا وإيطاليا من مستعمراتها عندما قالت حركات التحرير الوطني كلمتها.

ولكن شيئاً فشيئاً لم تعد أوروبا بحاجة إلى المهاجرين، فتمت شيطنتهم على كافة الأصعدة وأصبح الحديث عنهم خالياً تماماً من كل إنسانية ومن التاريخ والمسؤولية أيضاً. وفي مقابل ذلك نلاحظ ترحيباً خاصاً بالنخب ذات الصلة بالمجالات التي تحتاجها أوروبا اليوم وعلى رأس المهاجرين المرحب بهم المهندسون والأطباء الذين أنفقت عليهم بلدانهم حتى صاروا كفاءات. أي إن المقاربة الجديدة انتقائية محضة وهي استقطاب كفاءات البلدان المستعمرة وهكذا يتم الانتقال من استعمار هدفه الثروات الطبيعية إلى تكتيك جديد يقوم على صيد الكفاءات الشابة ذات الشهادات العلمية التي هي الأكثر حاجة اليوم في السوق الدوليّة.

وهنا درس غير مباشر في البراغماتية الأوروبية المتواصلة بأشكال مختلفة وخطط متغيرة.

ما يجب أن تعلمه البلدان التي تعبر عن تذمرها من ظاهرة الهجرة غير النظامية أنها تمثل أحد أهم أسباب هذه الهجرة. فالشباب الذين وجدوا أنفسهم أمام آفاق ضيقة كانت الدول المستعمرة متسببة فيها إلى جانب ما بذلته من جهد من أجل ألا تكبر تلك البلدان وكي لا تكون نامية وقوية، الأمر الذي جعل الآفاق غير موجودة خاصة بعد تضافر عوامل أخرى ما فتئت تتجمع من تاريخ حرب الخليج الأولى وصولاً إلى جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية.

هناك مشكلة في كيفية طرح قضية الهجرة غير النظامية، ولن تجد هذه القضية طريقها نحو المعالجة من دون الخروج من بوتقة الخطاب الزئبقي المخاتل.

لذلك فإن المعالجة الصريحة الشجاعة تكون عندما تدعم البلدان وتساعد النخب الحاكمة فيها على تأمين استقرار اقتصادي وخلق فرص للشباب. والدعم الحقيقي ليس فيما هو فني فقط بل في الدعم المالي وضخ الاعتمادات لأن هذه البلدان رغم ضيق ذات اليد فإنها غنية بالكفاءات، بدليل أن أوروبا باتت بحاجة إلى طلابها المتميزين وتقدم لهم كل ما تعجز بلدانهم الأصلية على تقديمه لهم من ظروف عمل مريحة ومعاشات عالية.

إن سياسات الدعم قطرة قطرة والدعم المشروط والمحسوب أثبتت فشلها: شباب في أوج إرادة الحياة والحلم والطموح سيبحر في المتوسط بحثاً عن ضفة باتت لا تريده.

كونوا شريكاً حقيقياً في تنمية أفريقيا ولن يرغب أحد في ترك العائلة والأصدقاء وأرض بلاده. كونوا شريكاً حقيقياً وردوا بعض ما نهب من ثروات طبيعية من دون مقابل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة الطرح المخاتل لمشكلة الهجرة غير النظاميّة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib