عولمة الأزمات ودور عقلاء العالم

عولمة الأزمات ودور عقلاء العالم

المغرب اليوم -

عولمة الأزمات ودور عقلاء العالم

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

تعد ظاهرة العولمة من أكثر الظواهر التي أسالت الحبر وتراكمت حولها الأطروحات بين ناقد ومنتقد ومبشر بها ورافض لها. ولكن رغم كل الاختلافات في المقاربة فإن الزمن أثبت صحة الحديث عن ظاهرة العولمة ذاتها وأنه بالفعل هناك عولمة بدأت في التمظهر مع انتشار وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة وصولاً إلى تعزيز خطاب ثقافة العولمة وقيمها.

إذن العولمة كواقع ليس من السهل التنكر له.
المشكلة الجديدة اليوم تكمن في أن العولمة باتت تشمل كل شيء؛ فكل شيء يخضع للعولمة ويخضع بشكل أكبر وفق شدة الحدث وارتباطه بحياة الناس. لذلك فإننا اليوم نتحدث بعولمة الأزمة. بمعنى أن نشوب حرب في بقعة ما من العالم فإن تداعيات تلك الحرب تمس كل بقاع العالم وأرجائه. بل إن الملاحظ أن فعل العولمة في ما هو سلبي وخطير وحيوي شديد السرعة والأثر.
ما نلاحظه أيضاً هو أن العولمة بوصفها حقيقة تزداد معاينة ورصداً وتأكيداً في ما يتصل بالأزمات. كما أن فكرة العالم قرية صغيرة تتأكد من ناحيتين اثنتين؛ الأولى في البعد الإعلامي للأحداث ومسألة انتشار الخبر، والثانية في تداعيات الأزمات باعتبار أن وسائل الاتصال والتواصل والتنقل تجعل من الأزمة معلومة. ولقد عرفنا هذا الأمر في أزمة «كوفيد - 19» ورأينا كيف انتشرت الجائحة وعمّت كل العالم في بضعة أيام، وهو أمر ما كان ليكون وكان سيستغرق السنوات لولا ما عرفته وسائل النقل والبلدان من انفتاح وحركة نقل متعددة الوسائل، حيث إن كتب التاريخ تناولت ما كان يستغرقه الوباء من زمن قبل أن يصل إلى بلد مجاور.
طبعا يجب ألا يفهم من هذا التحليل أننا بصدد تقديم هجاء لتطور وسائل النقل أو لوسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة بقدر أن الهدف ربط ظاهرة العولمة بعاملين اثنين؛ هما تطور وسائل النقل وظهور تكنولوجيا الاتصال، وكلا العاملين يندرجان ضمن معنى التواصل الذي يمثل السكة الحديدية التي تستعملها العولمة.
أيضاً على امتداد العام الماضي رأينا آثار العولمة في الحرب الروسية - الأوكرانية وكيف هددت هذه الحرب دولاً عدة بالإفلاس وكيف أدت ببلدان مثل فرنسا وبريطانيا إلى أزمات اقتصادية. فالواضح أن كل أزمة في الوقت الحالي من غير الممكن أن تنحصر في الإطار الذي انطلقت فيه، وذلك من منطلق أن التداعيات تشمل الجميع وتضع الجميع في مواقف اقتصادية صعبة.
إن تجربة الحرب الروسية - الأوكرانية وحجم الارتباك الذي أفرزته تداعياتها على دول عدة من العالم من الضروري أن تقود عقلاء العالم إلى التفكير في مسألة مهمة جداً وهي: كيف يمكن في زمن عولمة الأزمات العمل على تعزيز الصمود ضد التداعيات الكبرى والمهددة لقوت المجتمعات وحياتهم وإدارة شؤونهم؟
كيف يمكن التقليص من آثار تشابك مصالح العالم اليوم واختلاطها على نحو معقد؟
في لحظة ما يتم ترتيب الحاجيات وفق معادلة الحياة والموت، ومن ثم فإننا ننتهي إلى وضع أولويات جديدة والتكيف معها ومحاولة ضمانها في لحظات هجوم تداعيات الأزمات التي تنشب من دون إذن أو إعلام.
ويبدو لنا أن الحاجيات الأساسية للغذاء من المهم أن تدرج ضمن الأمن القومي لأي دولة. بمعنى آخر هناك مواد يجب ألا تكون رهينة السلام العالمي الذي من الصعب أن يتوفر وإذا توفر فإنه ليس دائماً. أي أن ما يتصل بأساس الغذاء الذي من دونه يجوع الناس فإنه لا بد له من حل وطني - وطني كي لا تظل حياة النّاس مهددة بتداعيات أزمة خارجة عن بلدها ولكن بحكم العولمة القسرية فإنها ضحية من ضحايا تداعياتها.
أيضاً لم يعد بالإمكان بالنسبة إلى الدول ذات الثروات المتواضعة من ناحية الطاقة ألا تجد حلولاً بديلة وألا تنخرط في الطاقات البديلة. فالرهان في اتجاه وسائل النقل العمومية بات حلاً مهماً للتخفيض من حجم استهلاك الطاقة والاستثمار في أسطول نقل عمومي حديث ومريح من شأنه أن يحقق نتائج إيجابية سواء من ناحية التقليص في نفقات الطاقة أو في جودة الحياة وتأمين بيئة أكثر صحة وأقل تلوثاً.
إن الكرة في مرمى عقلاء العالم كي يدبروا أمر شعوبهم والتفكير في سبل إنقاذهم من تداعيات الأزمات الدولية التي لا تعترف بالقوي ولا بالضعيف وتربك كل ما يمكن أن تعتمده ميزانيات الدول من فرضيات، وتهدد واقع النّاس في أبسط الأساسيّات.
الدرس الأكبر: مرحباً بالانفتاح والتبادل والتعاون، ولكن بعد ضمان الحد الأدنى من التعويل على الثروات الخاصة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عولمة الأزمات ودور عقلاء العالم عولمة الأزمات ودور عقلاء العالم



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب

GMT 07:16 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

الهاتف "ري فلكس" يطوى ليقلب الصفحات مثل الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib