الأميّة والإقامة على حافة الحياة

الأميّة والإقامة على حافة الحياة

المغرب اليوم -

الأميّة والإقامة على حافة الحياة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

اكتشف الإنسان الكتابة قبل آلاف من السنين، وكان ذلك حدثاً انطلقت معه كتابة التاريخ. فالتاريخ مرتبط بحدث اختراع الكتابة وظهورها وما قبل ذلك لا وجود له في التاريخ.    

ورغم تتالي القرون فإن العالم اليوم ما زال يتحدث عن ظاهرة الأمية، والأرقام صادمة، وتمثل حاجزاً أمام التقدم وطي صفحة الأمية التي ستظل مصدر عطب متعدد الأبعاد.

ولعله في مثل هذا اليوم تحديداً الذي يتزامن مع احتفال العالم بمحو الأمية، من المهم التوقف عند حجم الظاهرة ومدى التقدم في القضاء عليها ومحاربتها. وفي هذا التفصيل بالذات فإن العالم عبّر عن وعي خاص بهذه المسألة حيث إن الاحتفال باليوم الدولي لمحو الأمية يعود إلى سنة 1967 عندما كان كثير من البلدان خارجاً للتو من حقبة الاستعمار بتكلفة باهظة أهمها تفشي الأمية والفقر. لذلك فإن إثارة قضية الأمية آنذاك كانت منطقية ومثل الرهان على التعليم ومجّانيته وتعميمه الآلية الأساسية لمقاومة التعليم، وذاك من أهم المنجزات.

من المهم، ونحن نتناول مسألة التعليم، أن نعيد التذكير بأن الإنسان هو نتاج التعليم، بل إن الكائن البشري لا تتوفر فيه شروط الإنسان إلا بالتعليم، حيث إن التعليم هو الذي يبني العقل ويغيره. وكل منجزات الإنسانية هي نتاج التعليم.

من هذا المنطلق، فإن مجتمعات تعاني من ظاهرة الأمية هي مجتمعات عاجزة عن تحقيق نقلة نوعية في حياتها ومستقبلها. فالأمّيُّ شخص كامن الكفاءة، ولكنها لم تصقل وغير صالحة للتوظيف وللاستغلال الإيجابي فردياً وجمعياً.

صحيح أن الدول قطعت مسافات بفضل سياسات التعليم، وأن نسب التمدرس في تطور، ولكن مشكلة الأمية ما زالت قائمة الذات. وفي الفضاء العربي الإسلامي فحتى الدول ذات التجربة الرائدة التقدمية في مجال التعليم فإن خُمس سكانها على الأقل يعانون من الأمية، وهذا يمثل سبباً لعرقلة تحقيق ما تصبو إليه مجتمعاتنا.

وعموماً، فإن المصادر الدولية تتحدث عن 773 مليون شخص أمّي عن نسبة إجمالي الأميين من السكان تقدر بـ8 في المائة.

وكما نرى، فإن مشكلة الأمية، وخاصة الحجم الديمغرافي الذي ما زال قابعاً تحت براثنها لا تزال موجعة، وتحتاج إلى آليات أكثر نجاعة في تحقيق نتائج أفضل.

كما تمثل هذه المشكلة تحدياً حقيقياً لأهداف التنمية المستدامة سواء الهدف الرابع الذي يتناول صراحة ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع أو باقي الأهداف الـ16، وذلك باعتبار شمولية أهداف التنمية المستدامة ككل.

لا شك في أن وجود الظاهرة له ما يبرره، وهو سليل ظواهر أخرى؛ أهمها الفقر الذي يتسبب في انتشار الأمية. وفي عالم يعرف فيه قرابة عشر سكانه الفقر، و42% من أقدم قاراته أي أفريقيا من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، فإن استمرار ظاهرة الأمية متوقع، باعتبار أن الأميّة إحدى أهم تداعيات ظاهرة الفقر.

إلى جانب الأمية بما تعنيه من جهل بالقراءة والكتابة، فإن الواقع يحملنا نحو أشكال أخرى من الأمية لم ندر ظهرنا لها جيداً بحكم الانغماس في الشكل القديم والمتعارف عليه للأمية.

فنحن في عالم اليوم تموت فيه لغات وتهيمن فيه لغات قليلة جداً، الشيء الذي جعل اللغة الإنجليزية مثلاً تعد اليوم مفتاح النفاذ إلى العالم، وإلى سوق الشغل ومجال العلم أيضاً. ومهما كانت الشهائد متراكمة، فإن الجهل باللغة الإنجليزية يجعل صاحبه يشعر بالنقص، وصار الاكتمال العلمي في أي تخصص رهين التمكن من لغة شكسبير.

أما الأميّة الرقمية فحدث ولا حرج، فالموجود في العالم الرقمي موجود في العالم الواقعي وليس العكس.

إن تعدد أشكال الأمية اليوم أدى إلى ظهور أميين جدد يعرفون الكتابة والقراءة، ولكنهم أميون بمعايير أخرى. قد يبدو الأمر شائكاً ومعقداً وهو كذلك؛ لذلك فإن المجتمعات المركبة شديدةُ التعقيد، ولا شيء من المعاني المتداولة والمتوارثة يظل على حاله وعلى ثباته من حيث المعنى. في المجتمعات المركبة كما هو الحال اليوم نجد الشيء ونقيضه، ووظيفة النخب وضع خطط تقضي على كل ما يهدم البناء.

من الجيد أن تبارك البشرية مجهوداتها وتعترف بمنجزها، فذاك يقوي الثقة في الذات والعزيمة، خاصة أن الطريق لا تزال طويلة، وأنها مرشحة - لو استمر الحال على ما هو عليه من ضبابية ومن إكراهات اقتصادية - للتفاقم باعتبار أن الفقر أبو الأمية في الوقت الراهن. فالصلة بين الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في القضاء على الفقر، والهدف الرابع الذي ينص على التعليم للجميع، وضمان فرص التعلم مدى الحياة صلة متينة جداً، ويكفي أن نقيس المنجز في مجال محاربة الفقر حتى نتكهن بواقع الأمية وحجمها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأميّة والإقامة على حافة الحياة الأميّة والإقامة على حافة الحياة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib