لبنان «الثورة 2» بين سراب المثالية وإدمان الإنكار

لبنان: «الثورة 2» بين سراب المثالية وإدمان الإنكار

المغرب اليوم -

لبنان «الثورة 2» بين سراب المثالية وإدمان الإنكار

بقلم : إياد أبو شقرا

لا يختلف اثنان على تناقص القواسم المشتركة بين «الشعوب» اللبنانية بالتوازي مع تزايد المحن التي تجمعها... وتهدد بقاءها. حتى أمام «غول» الجوع الزاحف وجائحة «كوفيد - 19» المتفشية، ما زالت الخلافات والشكوك تتحكّم في آليات الاعتراض وأولوياته.
يوم أمس، يوم الدعوة إلى تجديد «ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)»، كان لافتاً التفاوت الكبير في القراءات والشعارات، على الرغم من النتيجة الكارثية التي أفضت إليها تلك «الثورة» على مختلف الأصعدة.
في أكتوبر، رُفع شعار ساذج هو «كلّن يعني كلّن» (كلهم يعني كلهم)، وأدت العفوية في تطبيقه إلى إعطاء «قوى الأمر الواقع» المتحكّمة بمفاصل القرارين السياسي والأمني الفرصة الكافية لاستغلال الأخطاء، وحرف الاعتراضات، والتهديف على خصومها السياسيين.
كذلك، وفّرت تلك العفوية –إلى جانب سذاجة مضمون الشعار– للقوى المندسّة التابعة لـ«قوى الأمر الواقع» عينها المبرّرات لتحريك زمر بلطجية طائفية من أجل التصدي بالقوة لجماعات المجتمع المدني... التي وجدت نفسها محاصَرة بين المزايدين المشبوهين من «طابورها الخامس» ومحرّكي البلطجية الطائفيين.
في أي حال، جاءت الحصيلة الوحيدة لـ«كلّن يعني كلّن» – كما نعلم – استقالة حكومة سعد الحريري الائتلافية، التي كانت الطرف الأضعف في واجهة السُّلطة، ومن ثم، تسليم لبنان على طبق من ذهب إلى «حلف» «حزب الله» والتيار الوطني الحرّ (التيار العوني).
وحقاً، منذ شكّل هذا «الحلف» التشكيلة الوزارية الحالية لم يشهد اللبنانيون سوى كيدية وأوهام ومزايدات وإمعان في الإقصاء و«الشيطنة».
صارت «تراكمات 30 سنة» من الفساد معزوفة تكرّرها أبواق هذا «الحلف»، وتتهم بالفساد -حصراً- القوى التي أنهت تحكّم الجهاز الأمني السوري - اللبناني عام 2005. وبذا، يتناسى هؤلاء عمداً حقيقتين يعرفهما جيداً كل مراقب ذي ذاكرة جيدة:
الأولى هي أن كل التجاوزات المالية والأمنية والأخلاقية بين عامي 1977 و2005 حصلت بأوامر الجهاز الأمني السوري - اللبناني أو بتواطؤ منه.
والأخرى أن كل ما حصل منذ 2005 مسؤولة عنه هذه القوى نفسها، التي أمسكت فعلياً بمفاصل السلطة نتيجة احتكارها السلاح غير الشرعي، ومن ثم، استغلالها –وأتباعها– هذه الهيمنة لوضع اليد على معظم الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية.
يوم أمس، تحت ضغط الضائقة المعيشية والاقتصادية، ورغم المخاوف من تفشي فيروس «كوفيد - 19»، دعا بعض القوى إلى مظاهرات شعبية تهدف لتجديد «الثورة». وكان واضحاً من تحضيرات هذه القوى حرصها على «تدوير الزوايا» وتحاشي الاستفزاز على صعيد تحديد سقف المطالب والاكتفاء بالشق المعيشي. وإلى جانبها دعت قوى أخرى أكثر جرأة، إلى إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، وتشكيل حكومة جديدة محايدة ذات صلاحيات واسعة. ولقد بلغ التحفظ بهذين الفريقين، ومن معهما، ليس فقط الامتناع عن المطالبة بنزع سلاح «حزب الله»، بل اتهام كل مَن يطرح هذا المطلب بالعمل على تقسيم الصف والتآمر على التحرّك الشعبي.
في ظل الاحتلال الفعلي للبنان، وما يستتبعه من اختلال في ميزان القوى، يمكن فهم هذا الحرص. غير أن ما لا يمكن فهمه ولا يجوز فهمه، أن تتوهّم الجماعات «الثورية» أنها بملامستها الخجولة لسطح الأزمة ستتمكن من تحقيق اختراق سياسي يخفّف من تأثير الاختلال... ويثير شيئاً من الخجل عند الاحتلال.
ثم إن ما يستعصي على الفهم هو كيف يتوقع ساسة وحركيّون أن ينتج عن مطالب مثالية، كإجراء انتخابات جديدة، تغيير استراتيجية تتجاوز حدود لبنان؟ كيف يراهنون على أن تدبّ فجأة في ذهنية «ميليشياوية» مشاعر تعاطف مع بيئتها التي تعاني من الحرمان والمرض كباقي اللبنانيين؟
صحيح، كشفت «ثورة أكتوبر» عن تململ واسع في بيئتي «حزب الله» وتيار عون. وصحيح أن التضييق الدولي على الحزب، كشف النيات الحقيقية تجاهه عند عدد من الساسة العونيين الخائفين من سيف العقوبات الأميركية. لكن الصحيح أيضاً هو أن ما عمل عليه الفريقان – كلٌّ من منطلق مصلحته الفئوية – لا يمكن أن يضحّي به أمام تحرّك شعبي فضفاض وهشّ ومخترَق، لا تجمعه رؤية ولا تنزله إلى الشارع سوى أهداف قصيرة الأمد.
«حزب الله» وتيار عون، حتى اللحظة، يستقويان بضعف الاصطفاف المقابل. بل ربما يريان أن حلفهما المؤقت يمكن أن يستعيد تماسكه في وجه اصطفاف القوى المتجمّعة ضده، ولا سيما أن هذه القوى فقدت الكثير من صدقيتها وانسجامها خلال الأشهر الفائتة.
ثم إن السعي المستميت من المستقلين للنأي بتحرّكهم عن «كل» الأحزاب... قد يزيد في شرذمة القوى المناهضة لـ«حزب الله» – عون، ويضعف قدرتها على التلاقي والتنسيق والتحشيد في ظل الجائحة التي تكتم أي تحرك نشط في لبنان وغير لبنان.
إن قادة «حزب الله» يدركون جيداً أن فائض القوى لديه كفيلٌ بإبقاء اعتراضات «الثوريين» ظاهرة صوتية عاجزة عن فتح أي ثغرة في جدارة هيمنته الكاملة. بل، ربما، يرون أن أي اعتراض لا يمسّ ركيزة هذه الهيمنة -أي السلاح- يشكل فرصة أخرى له للإجهاز على ما تبقى للبلاد من مؤسسات سياسية ومالية وخدماتية وقضائية.
والواقع أنه لا مشكلة عند «حزب الله»، و«حليفه» المسيحي، مع إجراء انتخابات جديدة وفق القانون المفصّل أصلاً وفق رغبته وعلى قياس طموحه.
ولا مشكلة عند الحزب أيضاً باستقالة تشكيلة وزارية لا تحكم... يستطيع تشكيل مثلها كل يوم. ولا تعنيه «صلاحيات» وهمية لأي حكومة وأي برلمان، في ظل «حالة سياسية» مستنسخة عن الحالة الإيرانية، حيث يتبوأ «المرشد» رأس الهرم، ويتحكم بالبلاد عبر سلطة حزبية وعسكرية وسياسية ومالية... أقوى من الدولة المعترف بها دولياً.
إن ما شهده لبنان أمس، يؤكد حقيقة يحاول كثيرون تسخيفها أو ترحيلها أو تغييبها، وهي استحالة التعايش مع قوة معيّنة تعدّ نفسها أكبر من الدولة.
يستحيل بقاء لبنان دولة «مركزية» ينتظر القوي فيها الفرصة السانحة لاحتكارها، في حين يترقب الضعيف الوقت المناسب لطلب العون الخارجي.
لقد قيل الكثير في ذمّ «الفيدرالية». لا بأس في ذلك، ولكن ماذا عن «اللامركزية الإدارية» التي نص عليها الدستور؟
إلى متى سيستطيع اللبنانيون التعايش مع منطق المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، إذا كان حتى «حلفاء حلفائه» في الجانب المسيحي يبرّرون إنشاء معمل سلعاتا للكهرباء بأنه... ضرورة مسيحية؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان «الثورة 2» بين سراب المثالية وإدمان الإنكار لبنان «الثورة 2» بين سراب المثالية وإدمان الإنكار



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
المغرب اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib