غزة تساؤلات يفرضها منطق الأشياء

غزة: تساؤلات يفرضها منطق الأشياء

المغرب اليوم -

غزة تساؤلات يفرضها منطق الأشياء

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

في هذه الحرب غير المتوازية راجحة لمصلحة القوات الإسرائيلية، لا سيما، أنه حصلت أمور كان كثيرون مثلي يتوقعونها.

من هذه الأمور، مثلاً، إعلان الولايات المتحدة - ومعها معظم الدول الغربية - التبنّي الكامل والمطلق للمنطق الإسرائيلي والسردية الإسرائيليةً.

ومنها أيضاً، حرص واشنطن الشديد حتى اللحظة على «تبرئة» إيران، وأتباعها الإقليميين، ومن ثم «تحييدها» تسهيلاً لـ«الاستفراد» بحماس وحركة الجهاد الإسلامي، وتسريعاً... ليس فقط لتصفية وجودهما العسكري والأمني، بل أيضاً لمحو قاعدتهما الديموغرافية في القطاع عن طريق «ترانسفير» اجتثاثي واضح.

ومنها أيضاً وأيضاً، عجز «الكتلة» المواجهة لواشنطن، وفي مقدمها موسكو وبكين، عن «كبح» الاندفاعة الأميركية غير المسبوقة منذ غزو العراق عام 2003 لحسم عسكري قاطع. وهذا «الكبح» هو الآن في طريق الإنجاز... وسط أجواء شحن وتحريض وشيطنة وتخوين وتضييق فظيع على الحريّات العامة، سواءً في الولايات المتحدة أو دول أوروبا الغربية الكبرى.

وعلى الرغم من أن مئات الألوف من الأميركيين والأوروبيين - الرافضين عدّ التعاطف مع معاناة مدنيي غزة تأييداً لسياسات حماس وأساليبها - قد «تحدّوا» التضييق وتجاهلوا الضغوط... فنزلوا إلى الساحات مع راياتهم وهتافاتهم، فإن هذه الشجاعة قد لا تكون نهاية المطاف. وأغلب الظن - كما يتذكّر كثيرون من أجواء عام 2003 – أن هؤلاء سيدفعون بطريقة أو بأخرى ثمن هذا «التحدّي» الشجاع، لا سيما، أننا نعيش في عصر المراقبة الإلكترونية والتنصّت الهاتفي وقرصنة البيانات الشخ صية... ناهيك من التعصّب اللامتحفظ.

قلت «الكفة الميدانية» راجحة لأميركا والغرب وإسرائيل، وهذه حقيقة تثبتها الأرقام ومجريات الحرب الحالية، لكن حماس ومن يقفون وراء حماس لم يخسروا سياسيا بعد. ولا أحسب أن المقاربة الغربية الراهنة لما حدث يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) وما سيحدث بعده... سينتج عنها «منتصر» و«مهزوم» في المستقبل المنظور.

بل ربما «يشطح» الخيال بمعلق هنا، ومحلل هناك، ليقول إن مجرّد تقسيم العالم إلى «فسطاطين»... هما «الذين معنا» و«الذين ضدنا» كفيل بإنهاء أي كلام عن منتصر ومهزوم.

وحقاً، سواءً أرادت حماس ومن معها الوصول إلى «تقسيم» العالم بهذا الشكل، أو أن الجهة التي إرادته هي إسرائيل والقوى الداعمة لها، فإن «التقسيم» بشقّه النفسي والتحزبي على الأقل قد حصل وانتهى الموضوع.

نعم، أمامنا اليوم فجوة نفسية، وحالة فظيعة من خيبة الأمل، وفقدان الثقة خلال الحرب الحالية... التي خفتت فيها في الغرب أصوات المنطق والتعقل والاعتدال والتوافق، أمام ارتفاع النبرة الاستعلائية والإلغائية العنصرية والخطاب الشعبوي الانتقائي والتأجيجي.

معارف كثيرون كنا نظن أننا نعرفهم... ظهروا أمامنا بمظهر مختلف.

التعابير التي أخذت تدرُج على ألسنة الناطقين العسكريين والمعلّقين السياسيين الغربيين تبدو الآن غريبة عمّا ألفناه قبل أشهر قليلة.

العواصم الرصينة، ووسائل الإعلام الوقورة، والقيادات المسؤولة - أو التي بدت كذلك -، كلها انزلقت بصورة مُرعبة لتبرير أي خطوة أو إجراء... بغض النظر عن التكلفة الإنسانية أولاً، والتكلفة السياسية البعيدة المدى ثانياً.

وكثير مما نسمعه مقلق، ومعظمه لا يُقدِّر أبعاد الكلمات التي تُطلق وتُسوّق. ثم إنه يبدو وكأنه لا يريد التفكير بما سيحمله الآتي من الأيام وسط جريان أنهار الدم، وتراكم الأحقاد، وانهيار فرص التسويات، وتفاقم الانسداد السياسي.

من دون التقليل من شأن المعاناة الفلسطينية المتمادية، والهروب الإسرائيلي الدائم إلى الأمام، نعم ما حدث يوم 7 أكتوبر تصرّف خاطئ: أولاً، لتعمّده استهداف مدنيين، وثانياً لأنه مقامرة غير محسوبة العواقب.

أقول هذا، لأنني لا أستبعد شخصياً أن يكون بعض غُلاة اليمين الإسرائيلي كانوا حقاً يأملون في عمل من هذا النوع يستهدف مدنيين، ومن شأنه حتماً إعطاء مشروع «الترانسفير» الاقتلاعي التهجيري تعاطفاً محلياً ودولياً... ما كان سهلاً ضمان الحصول عليه في ظرف آخر.

في المقابل، يقول المنطق إنه من المستحيل ألا يكون مخطّطو أحداث 7 أكتوبر واضعين في اعتبارهم رد الفعل الإسرائيلي. ومن ثم، هل كان هؤلاء موعودين بدعم إقليمي أو دولي ما... أم تراهم - من دون علم - زجّوا أنفسهم وتنظيمهم وأهلهم في معركة يظهر من التعبئة الدولية التي نراها ضدهم، أنها كانت «متوقعة»؟ بل، ومن دون الذهاب بعيداً في «نظريات المؤامرة»، لعلها كانت «مطلوبة» من أجل إعادة رسم خرائط المنطقة، بما في ذلك تصفية القضية الفلسطينية، وتقسيم المشرق وتقاسمه!

ليسا مصادفة أبدا «تبرئة» إيران و«صمت» أدواتها وسط مناوشات إخراجية مضبوطة السقف، ولا تفاقم الانهيارات في الكيانات المحيطة بالأراضي الفلسطينية المحتلة... والإصرار على تصدير الأزمات إليها.

ولكن، ماذا عن اليوم؟ أي مع البدء الفعلي للاجتياح الأرضي؟

نعم، منطقي أن يطالب الغرب بجعل إطلاق الرهائن المدنيين شرطاً لوقف إطلاق النار، ولكن هل هو مطلب واقعي؟ هل يتخيّل عاقل أن تُقدم جماعة اختطفت رهائن على التخلي عنهم طوعاً إذا كان الحكم المُبرم بالقضاء عليها قد اتخذ؟

أليس من مصلحة الجميع - الجميع بلا استثناء - أن يُصار بالعقل والهدوء للخروج بالحد الأدنى من الخسائر، والمباشرة جدياً باعتماد مسار سياسي - أساسه قرارات الشرعية الدولية - يخفف الاحتقان... ويفتح باب الحلول بدلاً من فتح أبواب الجحيم؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة تساؤلات يفرضها منطق الأشياء غزة تساؤلات يفرضها منطق الأشياء



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib