أي مفاهيم ستنشأ في عالم ما بعد «كوفيد  19»

أي مفاهيم ستنشأ في عالم ما بعد «كوفيد - 19»؟

المغرب اليوم -

أي مفاهيم ستنشأ في عالم ما بعد «كوفيد  19»

بقلم : إياد أبو شقرا

في العزل المنزلي، هدانا نحن جمع من الأصدقاء، تطوّر تقنيات التواصل إلى «السكايب» وسيلةً للتلاقي والتذاكر والتفكّر بالوافد الثقيل فيروس «كوفيد - 19»... الذي اقتحم حياتنا على حين غرة.
كل منّا له تجربته وقراءته لما نحن فيه، ولكل منه تصوّراته لما من شأن هذا الحدث - بل قل التجربة - إحداثه في مفاهيمنا وقناعاتنا، ناهيك بعاداتنا السلوكية وأولوياتنا الاجتماعية والاقتصادية. ولكن إذا كانت ثمة أمور عليها شبه إجماع داخل «الشلة السكايبية» الوليدة، فهي أن عالمنا ما بعد الوباء سيكون مختلفاً جداً عما كان قبله.
مثلاً، مفهوم علاقة الدين بالسياسة من جملة الأمور التي لا بد أن تطرأ عليه تغييرات في هذا الاتجاه أو ذاك. أيضاً علينا تقييم دور الإنسان في عالم تطغى عليه - وبسرعة - التكنولوجيا المتطورة، ويهيمن على قطاع واسع من ساسته هاجس الاقتصاد المعولم. وطبعاً، هناك كل ما يتعلق بالتعلم والتعرف والتواصل من التعليم إلى الإعلام... وما سيشهده هذا القطاع من تغيّر جوهري.
لقد تبيّنت الأبعاد المُفزعة للوباء، الذي أقرّت «منظمة الصحة العالمية» بعد تردد بأنه تحوّل من «وباء» إلى «جائحة»، بالتوازي مع الارتفاع المذهل لعدد الإصابات والوفيات، وانتقال بؤرة العدوى من الصين إلى إيران وقلب القارة الأوروبية، ومنها إلى باقي مناطق العالم. وفي اعتقادي أن «التجربة» الأوروبية مع الوباء تستحق قدراً كبيراً من الاهتمام لجملة من الأسباب؛ أبرزها أن في أوروبا ديمقراطيات راسخة تمارس الشفافية، ولا تتردد في الإقرار بالخطأ، ولا تتأخر في تصويبه حيث تدعو الحاجة. وهذا واقع يختلف تماماً عن ثقافة التكتّم وذهنية الإمرة والحزب الأوحد كما رأينا في الصين، والثيوقراطية العسكريتارية التي تجسّدها إيران، أو الشعبوية المُفرطة في سنة انتخابية غدت فيها استراتيجية الصحة العامة جزءاً من «التسويق الانتخابي» كحال الولايات المتحدة هذه الأيام.
الطريقة التي تتصرّف بها أوروبا المكلومة، في اعتقادي، هي التي علينا في العالم العربي أن نرصدها ونتعلّم منها. ولعل بين الدروس الأقسى التي تعلمّها الأوروبيون بثمن باهظ:
1- التردد في اعتماد استراتيجية صارمة بعد مرور شهرين من اضطرار الصينيين لعزل مدينة مثل ووهان يقطنها 11 مليون نسمة.
2- تأخر إجراء الفحوص الضرورية لمعرفة انتشار الوباء، ما يساعد في تنفيذ إجراءات الحجر ورصد الإمكانات.... وقد تكون ألمانيا هي الاستثناء أوروبياً، وهو ما يظهر في ضآلة نسبة الوفيات قياساً بالإصابات على النقيض من إيطاليا.
3- التقصير في الاستثمار بالقطاع الصحي، والتوجّه المتمادي للاقتطاع من مخصّصاته.
اليوم بعدما تجاوزت وفيات إيطاليا رقم الوفيات الصيني - وفق الإحصائيات المتداولة - واتجاه كل من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا في الاتجاه نفسه بفارق أسبوع هنا وأسبوعين هناك، تسجّل نِسَب عدوى مرتفعة جداً بالمقارنة مع عدد السكان في دول أصغر حجماً كبلجيكا وسويسرا وجمهورية آيرلندا. وهذا يعني أن معظم دول أوروبا الغربية ستسجّل خلال أسبوع أو اثنين أرقاماً صاعقة وغير مسبوقة للإصابات والوفيات في وقت السلم.
مقلقة هذه الحقائق، وما هو مقلق أكثر منها التقارير الواردة من إيطاليا - بالذات، والمرتقبة في دول أخرى - عن انهيار المنظومة الصحية العلاجية التي ناءت تحت ثقل الوباء. وهو ما دعا للكلام علناً عن الانتقائية في الإنقاذ، وقرار المستشفيات رفض علاج فئة من كبار السن والمرضى المزمنين الذين يرتئي المعالجون أن غيرهم أجدر منهم بالعلاج!
ثم إنه، على الرغم من الإجراءات المتأخرة بمنع التجول والعزل المنزلي، والانهماك بإعادة تأهيل مؤسسات صناعية للتحوّل للصناعات الوقائية والعلاجية، فإن تأخر الأسابيع المهدورة سيظهر حتماً في أرقام الأشهر الثلاثة المقبلة. وهذا ما يبدو أن رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون كان، بالأمس، مستعداً للتعايش معه عندما توقع بدء الانحسار الوبائي في غضون 12 أسبوعاً... أي ثلاثة أشهر.
جميع هذه المعطيات تؤشر إلى تغيير حتمي...
بالنسبة لمسألة علاقة الدين بالسياسة، ثمة مَن يرى أن الهالة التي وضعت المؤسسات الدينية - من مختلف ديانات العالم الكبرى - فوق أي اعتبار، ما عادت كما كانت. ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن اضطرار المجتمعات المسؤولة حماية لأرواح الناس فوق الممارسات العبادية يعبّر عن عقلانية وواقعية تنقذ جوهر الدين من الإفراط في الطقوسية التقليدية. وفي المقابل، يرى البعض الآخر، أن العلم كان قاصراً في الماضي وكان قاصراً هذه المرة، فلم يحُل دون هجمة الوباء.
أما عن العلاقة بين القطاعين الخاص والعام، فجاءت لافتة بالأمس مقالة نشرتها صحيفة «التلغراف» المحافظة البريطانية قال فيها الكاتب: «كي نتفادى الاشتراكية، علينا أن نكون اشتراكيين لفترة قصيرة. علينا إنفاق كل ما يمكننا إنفاقه من أجل إنقاذ حرية السوق»!
مناسبة هذا الكلام القرارات السخية التي اتخذتها حكومة المحافظين إعانة لمن سيفقدون رزقهم بسبب الوباء وتدابير العزل والإقفال. وهي تعيد إلى الأذهان التدابير شبه التأميمية التي اتخذتها حكومة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن في عز الأزمة المالية والعالمية عامي 2007 و2008. والمعروف أن الدول الغربية تجاوزت تجربة عامي 2007 و2008، ولعلها نسيتها، وعادت لانتخاب اليمين تحت وعود البحبوحة وإغراءات خفض الضرائب... ففاجأها وباء «كوفيد - 19» الذي أنفقت على تداعياته أضعافاً مضاعفة ما كانت ستنفقه على بنى تحتية صحية واستثمارات علمية بحثية.
هذان فقط نموذجان من نماذج عديدة في حياتنا... أرجّح أنها لن تظل كما هي.
أساساً لا مستقبل لمن لا يعلم ولا يتعظ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي مفاهيم ستنشأ في عالم ما بعد «كوفيد  19» أي مفاهيم ستنشأ في عالم ما بعد «كوفيد  19»



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib