لماذا انكفأت «الموجة الحمراء» وما هي تداعياتها لزعامة ترمب

لماذا انكفأت «الموجة الحمراء»... وما هي تداعياتها لزعامة ترمب؟

المغرب اليوم -

لماذا انكفأت «الموجة الحمراء» وما هي تداعياتها لزعامة ترمب

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

من المقولات التي تنسب - صدقاً أو زوراً - إلى الكاتب والأديب والصحافي الأميركي الساخر مارك تواين «التقارير عن موتي مُبالغ فيها كثيراً». ويظهر أن هذا ما ينطبق على التوقّعات التي سبقت، ثم واكبت، الانتخابات النصفية الأميركية الأخيرة.
هذه الانتخابات التي لم تعلن بعض نتائجها النهائية الرسمية بعد، ويبدو أنها اتجهت لجولة إعادة حاسمة في ولاية جورجيا، بُني عليها الكثير، ولا سيما توقّع تحقيق الحزب الجمهوري اجتياحاً يسيطر معه على مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) بجانب تعزيز موقعه على مستوى الولايات، حكاماً وبرلمانات محلية.
أسباب التوقعات كثيرة، منها مثلاً:
- شخصية الرئيس الأميركي جو بايدن الباهتة، والهفوات والغفلات التي تصيّدتها له عدسات الإعلام في غير مناسبة، وهو الذي سيبلغ الثمانين خلال أيام معدودات.
- حالة الحزب الديمقراطي، التي تتسم بتشرذم واسع وانقسامات عديدة بين أجنحته المعتدلة والمتشددة، وذلك بعدما اخترقته قوى راديكالية تسمّي نفسها «تقدمية»... تسير على خطى السيناتور بيرني ساندرز، وتزايد عليه أحياناً. وفي هذه المرحلة، لا أدلة على أن كمالا هاريس، نائبة الرئيس وسيناتورة كاليفورنيا السابقة، نجحت في فرض وجود بوصفها شخصية قيادية مرشحة لرفع لواء الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، مع أنها تنتمي إلى مكوّنين كبيرين من قاعدة الحزب هما النساء - ولا سيما بعد بروز موضوع الإجهاض - والأقليات العرقية، يضاف إليهما أنها من ولاية كاليفورنيا... أكبر ولايات أميركا.
- الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها الولايات المتحدة بعد فترة الإغلاق التي فرضتها جائحة «كوفيد - 19» على العديد من الولايات التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي، والتداعيات الاقتصادية للحرب الأوكرانية.
- حالتا التحشيد والتأجيج الشعبيين اللتان يحركهما تيار اليمين المتشدد ضد قيادة ديمقراطية تظهر مرتبكة ومنقسمة على نفسها، في التحدي الروسي العسكري في أوكرانيا، وتحوّل اليمين المتشدد من قوة هامشية إلى لاعب أساسي في المشهد السياسي داخل عدد من الدول المؤثرة حتى في أوروبا.
- تزايد أهمية ورقة اللجوء والهجرة في الحسابات السياسية والانتخابية في عدد من الديمقراطيات الغربية من الولايات المتحدة إلى أوروبا.
- في الولايات المتحدة خاصة، صار لافتاً تأثير موضوع الهجرة وتبني الحزب الجمهوري موقفاً صارماً منه، بدءاً بفكرة الرئيس السابق دونالد ترمب بناء «جدار فصل» على طول الحدود الأميركية المكسيكية... وانتهاءً بالتضييق على الهجرة من العالم الثالث عموماً. بل غدا واضحاً أن ولايتي تكساس وفلوريدا - ثاني وثالث أكبر الولايات الأميركية، بعد كاليفورنيا - بكثافتهما السكانية الهسبانيكية/ اللاتينية صارتا أهم معقلين للجمهوريين، وبخاصة، لقياداتهما اليمينية المتشددة.
- نجاح حملات اليمين المتشدد في وسائل التواصل الاجتماعي، والتقدم المطّرد لشبكة «فوكس نيوز» على حساب الشبكات التقليدية الليبرالية المنافسة في الاستحواذ على نسب المتابعة، وبالتالي، التأثير على جمهور متحمس ومتشدد. ولقد تأكد تأثير هذا التيار الشعبوي المتشدد بفرض عدد من مؤيدي ترمب وأتباعه على ترشيحات الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية.
هذه الخلفية ضرورية لفهم أسباب توقُّع ما دأب الإعلام الأميركي على وصفه خلال الأسابيع الأخيرة بـ«الموجة الحمراء» (دلالة على اللون الأحمر لون الجمهوريين)... التي ستزلزل الأرض حتماً تحت القيادة الديمقراطية الشائخة المرتبكة.
غير أن ما حدث خلال الانتخابات جاء مفاجأة إيجابية نسبياً للديمقراطيين. ذلك أن حجم «الخسائر» التي كان متوقعاً أن تلحق بهم جاءت دون التوقعات بكثير في مجلس النواب، أما بالنسبة لمجلس الشيوخ فإن توزّع المقاعد حتى لحظة كتابة هذا الموضوع يقف عند التساوي 49 - 49 بعد فوز مرشح الديمقراطيين في ولاية أريزونا. وهكذا لا يبقى بعيداً عن الحسم سوى مقعدي ولايتي نيفادا وجورجيا مع الإشارة إلى أن معركة الأخيرة ستعتمد على جولة إعادة يوم 6 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وسيكفي أن ينتزع الديمقراطيون أحد هذين المقعدين للاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ بفضل الصوت الترجيحي لنائبة الرئيس كمالا هاريس، كما كان عليه الحال قبل هذه الانتخابات.
هذا من ناحية، ولكن من ناحية أخرى قد تكون إيجابية أكثر للديمقراطيين، تعرّض الرئيس السابق ترمب لنكسة معنوية مزدوجة تتمثل في خسارة عدد كبير من المرشحين الجمهوريين الذين تبناهم ودعمهم شخصياً، وبروز متحدّين حقيقيين لزعامة الرئيس السابق للتيار اليميني داخل الحزب الجمهوري.
في طليعة المهزومين هؤلاء الدكتور محمد أوز، الذي تبنّى ترمب ترشحه لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية بنسلفانيا، الولاية الكبيرة بشمال شرقي البلاد التي كان الجمهوريون يسعون بقوة إلى استعادتها بعدما ربحها ترمب خلال انتخابات 2016. والحقيقة أن أوز - لو فاز - كان سيكون أول مسلم يدخل مجلس الشيوخ، ونظرياً كان سيشكل دفعة معنوية للجمهوريين في صفوف المسلمين الأميركيين رغم مواقفه وتصريحاته المثيرة للجدل، وفي ولاية كبيرة «أهدى» انقلاب ولائها من الديمقراطيين إلى الجمهوريين عام 2016 مع ولايتي ميشيغان وويسكونسن... مفاتيح البيت الأبيض لترمب.
أما على صعيد المتحدّين الجديين لترمب - الذي ما زال يعتبر نفسه المرشح الطبيعي للرئاسة عن الحزب الجمهوري - فهم فئتان:
الأولى، ولعلها الأخطر، تضم البدائل المحتملين له بين الجمهوريين. وبالفعل، جاء الانتصار الضخم الذي حققه حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس (44 سنة) لينبه الحزب إلى وجود بدائل عملية وواقعية بعيداً عن الاستسلام لشخصانية ترمب... من دون أن تكون بعيدة عن نهجه السياسي. ومثل دي سانتيس، احتفظ زميله السيناتور الجمهوري ماركو روبيو بمقعده في مجلس الشيوخ أيضاً عن فلوريدا، كذلك احتفظ حاكم ولاية تكساس الجمهوري اليميني غريغ آبوت، المناوئ للهجرة، بمنصبه مع غالبية مريحة. وهكذا، تشكّلت قوة دفع وخيارات جمهورية مستقبلية أخرى ليست رهينة لهالة ترمب. وربما هذا ما أقلق الرئيس السابق، فبادر إلى مهاجمة دي سانتيس ومطالبته بألا يترشح للرئاسة بعد سنتين.
والثانية، على جبهة الديمقراطيين، ظهرت أسماء جديدة أكسبتها الانتخابات النصفية إطلالة وطنية ووفرت لها منصة تتيح تعوّد الأميركيين بعيداً عن بايدن والجيل الذي ورثه من رئاسته، وقبلها 8 سنوات من توليه منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما.
قد لا تكون معركة السيطرة على الكونغرس قد حسمت نهائياً خلال الأيام القليلة الفائتة، لكن السياسة الأميركية ستعيش حتماً معطيات جديدة بين الآن ونوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا انكفأت «الموجة الحمراء» وما هي تداعياتها لزعامة ترمب لماذا انكفأت «الموجة الحمراء» وما هي تداعياتها لزعامة ترمب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib