هل يتخطى المكلّف علاوي إملاءات إيران

هل يتخطى المكلّف علاوي إملاءات إيران

المغرب اليوم -

هل يتخطى المكلّف علاوي إملاءات إيران

د.ماجد السامرائي
بقلم: د.ماجد السامرائي

الأيام المقبلة ستكشف قدرة علاوي على تحويل شعاراته إلى حقائق، وعدم خضوعه للمحاصصة وتوزيع المناصب بين الأحزاب، وقدرته على توفير البيئة الآمنة للانتخابات من هيمنة الميليشيات المسلحة.

هكذا إذن أنتجت الخلطة المركبة وصانعتها طهران اختيار محمد توفيق علاوي كرئيس جديد للوزراء يتحمل مسؤوليات المرحلة المعقدة الجديدة ومتطلباتها التي قدمت شروطها الواضحة الانتفاضة ودفعت من أجلها أكثر من 25 ألف جريح، بعد تكرار لتوافق فاشل لكتلتي الفتح وسائرون الشيعيتين عام 2018 باختيار رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي والاستمرار بالتجاوز الواضح للدستور الذي فصلاه وفقاً لمصالحهما.

اختار علاوي في لحظات التكليف أسلوباً غير معتاد وغير دبلوماسي في طريقة قبول تكليف الرئيس العراقي له عبر مخاطبة الجمهور المنتفض بكلمة مصورة ذات مفردات عاطفية حاول من خلالها مغازلته واللعب على عواطفه العراقية البريئة، وهو السياسي الشيعي المخضرم الحامل في جزء من تاريخه بصمة الكادر المتقدم في حزب الدعوة، والعارف بالتقيّة الشيعية، لكنه نسي في هذه اللحظات الحساسة أن الطيبة العراقية قد تقود إلى التعالي عن الصغائر وتقبل الصفح عنها، لكنها لا تتسامح مع القتلة وممثليهم في الأحزاب الماسكة بالسلطة، وأن هذه الانتفاضة تمتلك الوعي الذي أنتج هذا التغيير الثوري في الحياة العراقية وعلاقتها بالطبقة الحاكمة الفاسدة والقاتلة. ويقال بأن هذا الأسلوب الدرامي بقبول التكليف قد جاء بعد حوار بين المكلف والرئيس برهم صالح الذي قال له بالنص “أنا وضعت استقالتي على طاولة البرلمان إن لم أختر رئيس وزراء يرضاه المنتفضون”، وطلب منه توقيع تعهد يؤكد فيه التزامه بتحقيق مطالبهم، فاختار البيان المصور.

جاء هذا التكليف الموصوف وفق الكثير من المراقبين بعد حوارات طويلة بين الزعيمين الشيعيين، مقتدى الصدر وهادي العامري، تم جزء منها في إيران وبرعايتها، وتعززت أخيراً ببصمة محمد كوثراني الممثل لحسن نصرالله والمسؤول عن حزب الله العراقي، وتم التوصل إلى اسم محمد توفيق علاوي إثر فشل كتلة العامري الموالية لطهران في تمرير ثلاثة أسماء من جنودها الفعليين، وكذلك عدم تحقيق أهداف إخماد الانتفاضة المسلحة بواسطة ميليشياتها في القتل والاختطاف، والتي من أحد مطالبها طرد إيران من العراق فسيطرت على العقل السياسي الإيراني مشاعر الإحباط واحتمالات خسارة كلّ شيء إذا انتصرت إرادة الثوار. وتسربت أنباء من داخل الأوساط السياسية الشيعية مفادها أن طهران وجهت تهديداً للزعامات الشيعية بأنها ستحرق العراق إذا ما جاء رئيس وزراء وفق مواصفات الثوار، ولهذا جاء الحل الوسط في اختيار علاوي تكراراً للخيار السابق في تعيين عادل عبدالمهدي.

رغم اختلاف وجهات النظر السياسية بشأن هذا التكليف من داخل بعض الزعامات الشيعية كحزب نوري المالكي مثلا، تسّرعت بعض الأطراف السنية بتأييد الرئيس الجديد نتيجة قلقها على مصيرها السياسي، إلا أن أصحاب الكلمة الأخيرة هم شباب الانتفاضة الذين لا تلوي عزيمتهم حملة التشويهات والانتقاص من مكانة ثورتهم ووصف بعض أفرادها بالمندسين، علماً بأن غالبية المندسين هم من أفراد تابعين للميليشيات، كما أن هذا الحجم البشري المليوني لا يمكن ضبط جميع تصرفات أفراده بدقة متناهية فهم ليسوا ملائكة في ردود أفعال بعضهم على رصاص القتلة المجرمين المحميين من قبل الحكومة السابقة رغم التزامهم العالي بالسلمية طوال الأشهر الأربعة الماضية. لا شك أن هناك نواقص فنية في عدم وجود قيادة سياسية وإعلامية موحدة للانتفاضة لكي تتحاور مع خصومها، والتي من نتائجها ما ظهر في الساعات الأولى عند تكليف علاوي من وجهات نظر بعضها لا ترفضه بالمطلق.
الالتزامات التي وضعها علاوي على نفسه أمام المنتفضين فيها محاولة للتخفيف من ردة فعلهم القوية ضده، خصوصا أن الأيام السابقة للتكليف كانت مشحونة برفضه، فقد تعهد في كلمته المصورة بمحاسبة المتسببين بقتل المتظاهرين ومحاربة الفاسدين، وأنه إذا ما فرضت الأحزاب مرشحيها للحكومة يتعهد بالانسحاب من هذا التكليف. ولكن يبدو أن الحماسة الجماهيرية والصوت العالي برفضه قد يعرقلان وصوله إلى البرلمان بكابينته الوزارية، ولا يعرف ما ينتج عن هذه العواطف المتصاعدة في الشارع خصوصاً أن مقتدى الصدر قد نفذ لعبة انكشفت خلال ساعات بإرساله مجموعة من أنصاره إلى ميدان التحرير ببغداد، وهجومهم واحتلالهم لمقر المنتفضين في المطعم التركي (أحد) وإخراجهم منه بالتزامن مع لحظات إعلان تكليف محمد علاوي وتصريح الصدر بأن “الشعب هو من اختار علاوي” في إشارة مبطّنة إلى أفراد جماعته الذين انتشروا في ميدان التحرير بعد انسحابهم بأوامر منه قبل أسبوعين.

لقد استمعت قبل شهر إلى محاضرة لمحمد علاوي في إحدى الولايات الأميركية قدم خلالها مشروعه للتغيير في العراق، وكان مهتما بدعم المظاهرات ويبدو أنه كرر هذا الاستعداد لتلبية مطالب المنتفضين خلال مقابلة تلفزيونية قبل عشرة أيام أكدها في كلمة التكليف الأخيرة، ولكن الأمور لا تؤخذ بالتمنيات الشخصية في ظل ضغوط الكتل السياسية، ومن خلفها طهران الرافضة لمجيء رئيس وزراء يعرّض مصالحها للضياع، ولا تقبل لمن يتولى المنصب أن يفتح أبواب محاسبة كبار الفاسدين والمطالبة باستعادة الأموال العراقية المنهوبة، لأن هذا الأمر سيعرضها للمخاطر، والأمر الأكثر حساسية هو دور الميليشيات المسلحة التي توسع نفوذها مقابل ما ادعاه من تنفيذ برنامج لحصر السلاح بيد الدولة، والذي كان شعار سابقيه من رؤساء الوزراء ولم تنفذ خطوة واحدة منه. وقد تسربت على مواقع التواصل الاجتماعي ليلة التكليف صورة لوثيقة وقعها كل من محمد علاوي وهادي العامري وعضوين آخرين، أكد فيها التزامه بتنفيذ قرار البرلمان لإخراج القوات الأجنبية من العراق واستكمال الاتفاقية الصينية العراقية وإشراك القوى السياسية بتشكيل الحكومة، إضافة إلى منح قوى الحراك الشعبي مناصب حكومية في محاولة لإرشائها.

الأيام المقبلة ستكشف إذا ما حوّل شعاراته إلى حقائق تنفيذية عاجلة، وأهمها عدم خضوعه للمحاصصة وتوزيع المناصب بين الأحزاب والتزامه أمام المنتفضين بمحاسبة القتلة المجرمين، وقدرته على توفير البيئة الآمنة للانتخابات من هيمنة الميليشيات المسلحة. لا توجد مؤشرات مشجعة على قدرته بتنفيذ ذلك، خصوصاً في تطبيقه للالتزام بعدم الخضوع لإرادة القوى الشيعية، وفيما إذا سيتمكن من تخطي إملاءات طهران التي لم يذكرها في جميع نشاطاته الإعلامية خلال الشهرين الماضيين. قبله ادعى عبدالمهدي كلاماً أكثر مغالاة منه لكنه أصبح مطيعا لإيران ووكلائها في العراق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يتخطى المكلّف علاوي إملاءات إيران هل يتخطى المكلّف علاوي إملاءات إيران



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي

GMT 04:01 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

أشهر اتجاهات "القبعات النسائية" لهذا الموسم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib