قصيدة الوالدين

قصيدة الوالدين

المغرب اليوم -

قصيدة الوالدين

سمير عطاالله
بقلم - سمير عطا الله

تنقَّل عبد العزيز خوجه سفيراً في العواصم الكبرى وعواصم الخوف؛ الرباط، وموسكو، وبيروت. وعمل وكيلاً لوزارة الإعلام، ثم وزيراً لها. وأستاذاً في الجامعة، ثم عميداً. وجاء إلى كل هذه المنابر العالية من اختصاص بعيد عنها هو الكيمياء. لكنّ المهنة الأقرب إلى نفسه كانت الشعر وبيوته وقوافيه ولمحاته.
من بين كل هذه التنقلات يرى أن أهم ما حدث له كان الولادة في مكة، ثم الشعر. لم يبتعد عنهما مرة ولا غادرهما. الحب الأول والشغف الأخير: لم يكن حبه لمكة أنها أرض الوحي، ومدينة الرسالة، فحسب، بل إضافة لهذه البركة، كانت بركة الأم والأب. عاش حياة هانئة في ظل بَرَكتين.
بعد هذا الزمن في خدمة المملكة، تسنَّى له أن يكرس وقته لكتابة الشعر. وما لم يكتبه في الشعر من قبل، تكرّس له الآن، حاملاً تجارب الدبلوماسية والسياسة والحياة الشخصية. وظل الكيميائي الماهر يمزج الأوزان والقوافي في هدوء وفي طمأنينة نفسية، وصناعة جمالية فائقة. ويكاد يكون إيقاعه في الشعر مثل إيقاعه في الحياة، واحداً، لا يغيّر إلّا في لعبة الأوزان التي تتعدد لديه، تعدد الثراء الشعري والأدبي والإنساني.
لا أستطيع نقل الشواهد من مجموعات الشاعر، لأن في ذلك ظلماً له وظلماً لنا. ولا أحب تقطيع الشعر لأن شعره مثل لوحة متناسقة في جمالها وفي طبقتها. لا شيء أجمل من شيء. وقد سمح لنفسه «بالتقاسيم» في عطائه النثري الذي لم يقلّ أدباً وفكراً وحكايات مثيرة عن عالم السياسة الغزير الأحداث والتجارب.
طاف عبد العزيز خوجه في الدنيا وطافت به وبقوافيه. وفي شعره شيء من كل مكان. وامرأة يُضمَنها سرّاً في قصائد الشعر والبوح. وبسبب أحكام الشعر والقانون ظل يلف بالغموض ذلك الخيال، أو الظل الذي يبرق هنا أو هناك.
كل شاعر يشبه نفسه. وقصائد عبد العزيز خوجه تشبه نفسها: هادئة وصافية ونقية، وهو لا يكفَّ عن كتاباته. ولا تزال قصائده ترنّ في أذهان سامعيه ومحبيه. غير أن الشاعر الكبير يقول إن ما هو أهم من كل شيء، القصائد التي كتبها في والديه. أُمٌّ متواضعة حنون تترك شيئاً من البخور في أرجاء البيت، وتشجع اليافع على كل شيء في قدرته: «يجب الإتقان أولاً، ولا يهم من سمع ومن لم يسمع».
هذا الرجل المحافظ تجب محاورته حول مفهوم الحداثة، ومعنى الشعر الذي تحوّل بين يديه إلى لوحة عائلية، أجمل ما فيها كتاب الوالدين وذكرى أب بسيط محدود الدخل، مهما ربح من عمل النهار يعلِّق ثوبه تاركاً للأطفال أن يأخذوا من جيبه كل ما يحمله من قروش. وفي اليوم التالي يفتش الأب عمّا بقي في جيوبه فيراها فارغة تماماً. وهذا يعني أن الأب قد ذهب مشياً إلى متجره الصغير. كان أباً سعيداً ومتواضعاً. وكان يزداد تواضعاً كلما كبر ابنه بالعمل السياسي والعمل الرسمي. تحية طيبة إلى ساحة هذا المزيج الجميل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصيدة الوالدين قصيدة الوالدين



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 10:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام 2024
المغرب اليوم - 3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام 2024

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib