قصة قصيرة

قصة قصيرة

المغرب اليوم -

قصة قصيرة

سمير عطاالله
سمير عطاالله

أفقت اليوم مبكراً على غير عادة. ولم يكن مزاجي يحتمل بعد أن أبدأ النهار بقراءة الصحف؛ هذا الدأب الشاق والعقاب الشقي. ولم يكن يوسف إدريس قراراً أقل قتوماً. لكن سيد القصة القصيرة يظل مبهراً في كل الحالات. المشكلة معه أنه هو من يقرر مزاجك. وفي عمل واحد ينقلك في فقرة خاطفة من حزن إلى فرح؛ إلى مجموعة مشاعر أخرى لا تعرف إلى اليوم كيف تصنّفها. عندما استشاط غضباً مثل الأطفال يوم مُنحت «نوبل الآداب» إلى نجيب محفوظ، وليس له، كان نوعاً ما على حق. ليس أنه أكثر استحقاقاً من محفوظ، فما من روائي أكثر حقاً منه. ولكن إدريس كان يستحقها هو أيضاً. ربما في المرة التالية، أو التي تليها. وهو في أي حال من هذه المراتب، لكن مشكلته أن ألوانه كالحة وأبطاله من عالم سفلي؛ مهما كان جميلاً ولذيذاً. ولعلك لاحظت أنه يستخدم عبارة «لذيذ» لكي يصف مجموعة كبيرة من الحالات. ليس لديه الوقت للبحث عن مرادفة أخرى.

إنه يريد الانتقال إلى قصة أخرى وأبطال آخرين وحيوات غريبة أخرى... أو لعلها غريبة عنك. فأنت لا يمكنك الوصول إلى العالم الذي يصل إليه. وإذا وصلت؛ فمن المستحيل أن ترى ما يراه وأن تسمع الحوارات التي سجلها في البيوت والحارات والباص ولدى البقالين ودكان الحلاق؛ الأسطى زكي، الذي يدخل في ثلاثة نقاشات في وقت واحد مع ثلاثة زملاء في الصالون: واحد يدخل معه في قافية حول البامية، وآخر يحدثه عن علاج جديد للمرارة، وثالث يضحك معه على الاثنين.

أشخاص نجيب محفوظ يتحركون في روايات طويلة. وعندما لا تتسع لهم واحدة، يفرد لهم الثانية والثالثة. عمّنا الدكتور إدريس يفعل بهم ما تعلمه من الطبيب أنطون تشيخوف. يعرّي طباعهم بسرعة ويرميهم مرتاحاً من سوقيتهم وجلافتهم وجهلهم. أناس لا وقت لديهم للوقار والاحترام. هذه هي مريضة السل في عيادته تخبره كيف دخلت في تجارة الحشيش والنساء، و«أعقبت إجابتها بسرب من الضحكات الخليعة والميتة». لكنها تحولت إلى إنسان آخر عندما تحدثت عن ابنتها: «بتروح المدرسة وبتطلع الأولى، وعايزاها تطلع دكتورة».

يكثر يوسف إدريس من استخدام العامية لكي يظل قريباً من أبطاله. وأبطاله بؤساء. ابن يفتش في محفظة والده عن خمسة قروش يذهب بها إلى السينما مع رفاقه. كان يعتقد أن أباه بخيل يدّعي الفقر، وراح يفتش في المحفظة، ووصل إلى قعرها، ولم يجد سوى عشرة قروش عتيقة، ردها إلى مكانها، وأعاد توضيب المحفظة، وذهب إلى النوم باكياً.
يدخل يوسف إدريس بيوت المصريين قارئاً لا كاتباً. ويخرج منها رساماً لا شاعراً... ويختصر العالم الحزين في قصة قصيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة قصيرة قصة قصيرة



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib