قاضٍ مصور حربي جرّاح ومهن أخرى

قاضٍ... مصور حربي... جرّاح... ومهن أخرى

المغرب اليوم -

قاضٍ مصور حربي جرّاح ومهن أخرى

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

إنها مهنة سعيدة. على الأقل أكثر سعادة من كثير من المهن «الأخرى»؟ عندما أفكر في الناس التي تختار وظائفها وأعمالها، أجد أن المهن الكبرى صعبة وشقية أحياناً. الناس تعتقد أن القضاء وظيفة مرحة. أما أنا فأتخيل أنني سأمضي نصف حياتي على الأقل وأنام غير مرتاح الضمير. متى يمكن لك أن تثق بأنك أصدرت الحكم الصحيح تماماً في إنصاف ضحية أو معاقبة مجرم.
فقدنا أخيراً الصديق صباح حيدر، الذي استقال ذات يوم من منصب عالٍ في القضاء، ليعود إلى العمل في المحاماة. فوجئ الجميع بقراره. وعندما سألته عن السبب قال «في المحاماة أستطيع أن أختار القضية التي أدافع عنها. هذه حرية غير موجودة في القضاء. تلك مهنة عليك أن تمتحن ضميرك فيها كل يوم».
كنت أعتقد أن باتريك شوفيل هو أشهر مصور حربي فرنسي. والأعلى راتباً. لكن ها هو يقول لـ«الفيغارو» إنه أمضى عشرين عاماً يتعذب، قبل أن يعتاد منظر الموت والجثث والجرحى و«الطفل الذي أصيب برأسه وهو ينزف ويصرخ من الألم في الجبهة. ما علاقة هذا الطفل في الشهر الحادي عشر من العمر بهذه الجبهة القاتلة»؟ تلك صورة لا يمكن أن يرسلها شوفيل للنشر، فقط يعطيها إلى المحاكم الدولية، إذا طلبتها منه. عاد المصور البالغ الثانية والسبعين أخيراً من أوكرانيا، تاركاً خلفه 2000 مصور وصحافي، وآلاف الموتى والبائسين، لكنه سوف يعود قريباً. إنه لا يملك مهنة أخرى في الحياة وله طفل عمره سبع سنوات.
لا يمكنني حتى بعد 20 عاماً أن أعتاد منظر طفل (أو عجوز) تنفر من رأسه الدماء. ولذلك لم يكن ممكناً أن أعمل مراسلاً، أو مصوراً حربياً. فقط أكون مراسلا أو مصورا من الحقول والطبيعة والربيع ومعرض التفاح في بلدة ميروبا. الأحمر منه.
وأفضل البطالة على أن أكون أشهر طبيب نفسي، لأنني سأتحول في الجلسة الثانية إلى مريض ولن أتمنى مساعدة أحد ولي أصدقاء، بل أحباء، كثيرون في عالم الجراحة الطبية وأدعو لهم جميعاً بالخير. وفي الانتخابات الأخيرة فاز جراح العظم الشهير غسان سكاف بمقعد نيابي، ولا أدري إن كان يفضل منظر السياسة اللبنانية على منظر العمود الفقري. من معرفتي به، أعتقد أنه سيعود إلى عمله في مستشفى الجامعة الأميركية بعد سماع الخطيب الثالث في جلسة الثقة البرلمانية.
وأكره أن أكون مدير مصرف في لبنان، براتب غير محدود ولكن أيضاً بتهمة غير محددة. سارق أو مسروق. كما أنني أشكر ربي فيما أحمده على نعمه، كوني لا أحفظ جدول الضرب حتى الآن، وإلا لكان هناك احتمال بأن أصبح حاكم البنك المركزي.
كلما تأملت المهن الأخرى ازددت تعلقاً بمهنتي: لا يوجد دوام ملزم، ولا مسؤولية مادية أو معنوية عن أحد. ولا ذهاب حتى إلى مكاتب الصحافة اللبنانية (في أيامنا)، حيث كانت الخناجر أكثر من الأقلام، والنميمة أكثر من الأخبار، والمعوقون - بكسر الواو - أكثر من المعوقين بفتحها. ما أجمل العمل الصحافي من خارج الدور. لا يفوقه شيء إلا إذا كتب أحمد رامي ولحن السنباطي وغنت، وغنت، وغنت. تلك سميت كوكب الشرق. ولا يزال الكوكب يدور كلما سمعنا صوتاً هاتفاً في السحر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قاضٍ مصور حربي جرّاح ومهن أخرى قاضٍ مصور حربي جرّاح ومهن أخرى



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib