بقلم - سمير عطا الله
كانت مجرد مصادفة درامية: 81 سنة على استقلال لبنان، و91 عاماً على ولادة فيروز. احتفى اللبنانيون بيوم سيدتهم وكأنه اليوم الوطني، واستحوا بذكرى الاستقلال، وبالكاد أتوا على ذكره. الحداد يملأ الأرجاء، والأعلام منكسة، والقلوب ملبدة، ولم يعد شيء يجمع الناس سوى صوتها. لقد شكّلت أغانيها عبر ثمانية عقود، الرابط الوحيد، وخيط الوطن الوحيد، في بلد مخلّع، مشلع ومتكاره. بلد شردته الطوائف، والمناطق، والمفارقات، ولم يعثر على ملتقى واحد سوى صوت فيروز وشعر الرحابنة.
مذهل حجم ما كُتب وما قيل في فيروز. ومذهل عمق ومستوى، وأحياناً، روعة التحليلات. والأكثر دهشة أن معظم الكتّاب، من أجيال جديدة لم تنشأ في عصر فيروز ورومانسياته، ومسرحه، وتأثيراته المباشرة، بل لم تعرف في لغته وتعابيره وموسيقاه.
المفاجأة الأولى حجم ما كتب، والثانية أن يعيش صوت فيروز تسعة عقود عبر جميع الأذواق، والمتغيرات، والمواقف والمشاعر. من أغنيتها الأولى إلى أغنيتها الأخيرة، وبجميع الألحان، وبالشعر العامي والفصيح.
ظلت تغني لكل عصر، ولكل جيل، سواء في ألوان الأخوين، أو في لون زياد، أو فيما غنت لملحني «الخارج» مثل محمد عبد الوهاب وفيلمون وهبي، ظلت فيروز تتواصل وتتفاعل مع كل جيل طالع. هذه ظاهرة نادرة ليس فقط في العالم العربي، بل في الغرب أيضاً. ومع أن أحداً لا يمكن أن يأخذ مكان أم كلثوم، فإن بعض أغانيها الأولى خرج من الإيقاع السائد. وخلال نصف قرن، ظهر وغاب عدد كبير من المغنيات والمغنين، حتى لم يعد لأغانيهم أثر في أي إذاعة، بينما يستمر صوت فيروز متجدداً حداثياً ومتكيفاً مع مناخه الزمني.
ثمة قامة أخرى في فيروز غير صوتها الأعلى من الأصوات، هو بقاؤها فوق جميع نزعات ونزاعات اللبنانيين. لا أحد ولا شيء استطاع أن يخرجها من تلك المرتبة الوطنية.
علمتنا فيروز أيضاً «السيادة» و«الاستقلال». لذلك بدا «عيد الاستقلال» أمام عيدها هزيلاً ومنسياً. ويستحق الشفقة. إذ برغم كل ما ارتكبه اللبنانيون في حقه... لا يزال عنده ما يحتفل به.