بقلم - طارق الشناوي
هي أغلى نجمة عرفتها شاشة السينما العربية، كانت ولا تزال، أجرها يقف في المقدمة عند مقارنته عالمياً بأعلى أجور كانت تحصل عليها في الأربعينيات نجمات هوليود، أنفقت بسخاء في زمن الشباب والوهج، ثم عانت الكثير في زمن التوقف والانزواء.
ابتعدت عن التمثيل عام 55 وعاشت بعدها 40 عاماً، أي أن سنوات الظل امتدت أكثر من سنوات الضوء، إشعاعها لم يخْبُ أبداً، مؤخراً أزاحوا الستار عن تمثال كامل برونزي يوضع في مدخل مدينة مرسي مطروح، حيث غنت في فيلم «شاطئ الغرام» واحدة من أشهر أغانيها «رايداك والنبي رايداك»، والتي تقول في أحد مقاطعها «يا ساكني مطروح جنية في بحركم... الناس تيجي وتروح وأنا عاشقة حيكم»، فأطلق الناس على الصخرة التي صورت عليها تلك الأغنية «صخرة ليلى مراد»، ونعتوا الشاطئ الذي تُطل عليه بـ«الغرام»، ولا تزال مدينة مرسى مطروح، مدينة لليلي مراد بكل هذا الحضور في الوجدان الشعبي.
لم ألتقِ الفنانة الكبيرة، ولكني حاولت أكثر من مرة، تحدثت إليها تليفونياً لإجراء حوار وكانت تأتي الإجابة من خلال من أطلقت على نفسها الخادمة، لترد باقتضاب: «الست ليلى مش موجودة الآن» وقبل أن أطرح سؤالي الثاني، تأتي الإجابة: «ما اعرفش ح ترجع إمتي»، كنت مدركاً أنه صوت ليلى مراد، إلا أنها أغلقت تماماً باب التواصل مع الصحافة، وكل وسائل الإعلام، صارت تُنكر نفسها، ولم تدرك ولا أدري كيف؟ أن نبرات صوتها من المستحيل أن تخطئها الأذن، ولهذا بين الحين والآخر كنت أكرر السيناريو من أجل أن أستمتع مجدداً بصوتها الذي يسكن قلبي.
ليلى حالة خاصة جداً، لو لم تكن هناك سينما ما كان من الممكن أن نحظى بهذا التراث الغنائي، رصيدها في الحفلات قليل جداً، بسبب خجلها من مواجهة الجمهور، شاركت العديد من المطربين بطولة الأفلام مثل محمد عبد الوهاب، ثم محمد فوزي، وكانت في طريقها لبطولة فيلم أمام عبد الحليم حافظ، لولا تعثر المشروع إنتاجياً، كاميرا السينما هي التي وثقت لنا ليلى مراد.
في تسجيل تم تداوله مؤخراً سألوا ليلى مراد عن خليفتها في السينما الغنائية، هل هي وردة أم سعاد حسني؟ فقالت: «وردة صوت ولكنها لا تملك الحضور كممثلة، وسعاد حسني ممثلة ولكنها لا تجيد الغناء».
ردت عليها فاتن حمامة في تسجيل آخر: «لن نجد أبداً من يعوض غيابها عن الشاشة ولن تأتي أبداً ليلى مراد أخرى».
أغلب المطربات والمطربين وقفوا أمام الكاميرا بداية من أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد، رصيد ليلى 28 فيلماً صار أغلبها علامات في السينما الغنائية، فهي ملهمة للجميع، يصنعون من أجلها أفلاماً، مثلما طلب منها نجيب الريحاني وهما في المصعد، أن يلتقيا في فيلم قبل أن يرحل فكتب لهما أنور وجدي «غزل البنات» ولم يشاهد نجيب الريحاني الفيلم.
قُدمت حياتها منذ نحو 11 عاماً في مسلسل تلفزيوني، «قلبي دليلي» لم يلقَ نجاحاً يساوي اسمها، الناس لم تقتنع بأن هناك من يمكن أن تتقمص دور ليلى مراد، ابنها الممثل والمخرج زكي فطين عبد الوهاب بصدد كتابة سيناريو يتناول حياتها، إلا أن المأزق الذي أوقف استكمال المشروع، كيف يجد بطلة لها طلة ليلي مراد، ولا يزال البحث جارياً عن تلك الطلة المستحيلة!