قليل من السياسة فى كان

قليل من السياسة فى (كان)!

المغرب اليوم -

قليل من السياسة فى كان

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

العام الماضى، وحتى مطلع هذا العام، تلونت كل المهرجانات السينمائية بطعم الحرب الروسية الأوكرانية، وانحازت أوروبا إلى موقف أوكرانيا، المعتدى عليها.

البداية الأعلى صوتا وصخبا جاءت من مهرجان (كان) العام الماضى، وشاهدنا زيلينسكى فى الافتتاح عبر (الستالايت)، وهو يلقى رسالته للرأى العام، منددا بالغزو الروسى، تم استبعاد أى مخرج روسى له توجه إيجابى تجاه بوتين، أو حتى محايد فى موقفه، وفى مهرجان (برلين) شاهدنا زيلينسكى فى فيلم تسجيلى طويل (القوة العظمى) من خلال حوار مع شون بن، الذى شارك أيضا فى الإخراج، وتضامن الجميع مع أوكرانيا، وكان لون العلم الأوكرانى مسيطرا، وفى (الأوسكار) كانت أوكرانيا أيضا حاضرة.

السياسة لم تغب أبدا عن المهرجانات الكبرى، بل إن بداية المهرجانات تستطيع أن تعتبرها القوة الناعمة فى مواجهة القوة المسلحة الصلبة، وهكذا جاء قرار الفاشيستى، موسولينى 1932 معبرا عن توجه المحور (إيطاليا وألمانيا) ومن يؤيدهما، بإقامة مهرجان (البندقية) فينسيا، وكان لا بد أن يرد الحلفاء وبالفعل بدأ الاستعداد لمهرجان (كان)، لولا اندلاع الحرب العالمية الثانية وتأخر (كان) عن إطلاق دورته الأولى حتى عام 1946. هدأت المدافع، واستسلمت ألمانيا، وانتحر هتلر، وكان الاستقطاب هو العنوان، واختيار الأفلام المشاركة، له علاقة مباشرة بالتوجه السياسى، ومع الزمن خفت قليلا صوت السياسة الزاعق، وإن لم يختف.

مصر تعرضت 56 للعدوان الثلاثى (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)، وعلا صوت يطالب بأن تقاطع مصر مهرجان (كان)، رغم أن يوسف وهبى شارك بعضوية أول لجنة تحكيم، كما أن المخرج محمد كريم شارك فى المسابقة الرسمية للدورة الأولى بفيلم (دنيا) ممثلا للسينما المصرية، وكانت لنا بعدها مشاركات مهمة ليوسف شاهين وصلاح أبوسيف، وتردد- وإن كنت أشك فى صحة المعلومة- أن تحية كاريوكا اقتربت عام 1955 من الحصول على جائزة أفضل ممثلة، لولا معادلات سياسية خارج النص.

لا أحد يعلم بالضبط ما هى كواليس لجنة التحكيم، تحية مؤكد سرقت الضوء عندما ارتدت جلباب (شفاعات) بطلة (شباب امرأة) وصعدت على السجادة الحمراء، وتردد أنها رفعت حذاءها فى وجه النجمة الأمريكية ريتا هيوارث عندما تناهى إلى سمعها كلمات ضد العرب. كل ذلك يقع فى إطار الحكايات الشائعة التى نشعر بسعادة وفخر عند ترديدها، رغم أنها تخاصم فى جزء كبير منها الحقيقة، أما لماذا أنكرها فدليلى هو تحية نفسها، أنكرت لى ذلك فى حوار مسجل، ولم تعتبر الأمر بطولة.

طالب بعض المثقفين عام 56 بمقاطعة (كان) كنوع من التعبير عن رفضنا للسياسة الفرنسية المنحازة لإسرائيل ثم تراجعنا، وهو ما تكرر بعد هزيمة 67 عندما قررنا مقاطعة عرض الأفلام الأمريكية. حكى لى الرقيب فى تلك السنوات المستشار والناقد السينمائى الكبير مصطفى درويش أنه قال لوزير الثقافة دكتور ثروت عكاشة إنه ضد قرار المقاطعة، والمتضرر ليس (هوليوود) ولكن المشاهد المصرى، وقال له ثروت بحنكة رجل السياسة علينا أن نوافق مؤقتا على القرار بضعة شهور، خاصة أن عبد الناصر كان متحمسا لإصداره، وبعدها سنعرض الأفلام الأمريكية ولن يعترض أحد، ولن تصر القيادة السياسية على هذا الموقف.

وهو فعلا ما حدث، كثيرا ما كانت إيران تعلن غضبها ضد (كان) و(برلين)، بسبب حفاوتهما بالمخرجين المعارضين للنظام، بل اختاروا مرة المخرج جعفر بناهى الممنوع من السفر كعضو لجنة تحكيم، وتركوا فى الافتتاح مقعده خاويا حتى تصل الرسالة للعالم بأنه ممنوع من السفر.

الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها خفتت هذه الدورة على الأقل ظاهريا، لا أستبعد أن تطل بقوة فى أى لحظة طالما أن المدافع والمذابح لم تتوقف.

«السياسة والثقافة وجهان لعملة واحدة» عبارة تحمل قدرا لا ينكر من الصحة، إلا أن الصحيح أيضا أن السياسة لو سيطرت على الثقافة ستخنقها، إذا دخلت السياسة من الباب فقل على الثقافة السلام!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قليل من السياسة فى كان قليل من السياسة فى كان



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib