بديع وأحفاد بديع

بديع وأحفاد بديع!!

المغرب اليوم -

بديع وأحفاد بديع

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

كان أحمد فؤاد نجم يستطيع تحمل الصيام عن الشرب والأكل، ما عدا شىء واحد وهو أنفاس السيجارة، لم يكن وحده في المكتب، معه اثنان من الموظفين، يدينان بالمسيحية، لم يكن اسماهما الأوليان يوضحان الديانة، وهما في نفس الوقت احترما صيامه ولم يشعلا سيجارة ولم يشربا رشفة ماء، بين الحين والآخر كان (الفاجومى) يذهب إلى دورة المياه ليمارس عشقه مع سجائره، وتكرر الأمر عدة مرات، حتى اكتشفا تلك الحيلة، وصرخا في وجهه (أنت فاطر يا عكروت؟).

من بعدها تعلم فؤاد نجم الصدق، حتى في أبسط الأمور، فهو من القلائل الذين يجهرون بالحقيقة، أول قضية حوكم بسببها كانت تزويرا في أوراق رسمية، ولم تكن سياسية ولا حتى بسبب تعاطى الحشيش، الرجل قالها ببساطة، أكد أنه أخذ عقابا مستحقا، ولم يكررها، كان زميلا لعبدالحليم في الملجأ، بينما لو عدت لعبدالحليم وهو يروى مذكراته ستكتشف أنه لم يشر أبدا إلى تلك السنوات، وربما لهذا السبب، وبرغم محاولات الموسيقار كمال الطويل الذي كان شديد الاقتناع بموهبة نجم وقدمه بالفعل لعبدالحليم، إلا أنه لم يرحب أبدا بغناء كلماته، تحسبا من لسان نجم الذي لا يعرف الفارق بين ما يسمح بتداوله، وما لا ينبغى الإشارة إليه، حتى من بعيد لبعيد.

على الجانب الآخر، تكتشف أن كاتبا كبيرا مثل بديع خيرى، أكثر واقعية في هذا الشأن، احتفظت الذاكرة المرئية لبديع بحوار واحد مع الإعلامية سلوى حجازى، في بدايات التليفزيون المصرى، كما أنه شارك نجيب الريحانى التمثيل، مرة واحدة، في فيلم (ياقوت) أول شريط سينمائى ناطق لعب بطولته الريحانى، ولا يعرض إلا نادرا.

بين بديع ونجيب موقفان كان يقترب منهما بقدر كبير من الاحتراز، الأول أنه كتب من الباطن، وهو ما يعرف بـ(كاتب الظل)، أي يتقاضى أجرا ولكن العمل الفنى ينسب لآخر، كان بديع كاتبا ناشئا ولهذا لم يجرؤ أن يتقدم بأعماله مباشرة للريحانى، بينما كان الريحانى يبحث عن مؤلف بعد خلافه مع أمين صدقى، كاتبه الملاكى، بسبب مطالبة الأخير بزيادة أجره، فكان ينبغى البحث عن كاتب جديد، وتقدم له فعلا أحد الممثلين في المسرح برواية- كما كانوا يطلقون في ذلك الزمن على النص المسرحى- وأعجبته فتعاقد عليها، وتكرر الأمر أكثر من مرة، حتى همس أحدهم في أذن الريحانى باسم بديع كاتب (الظل)، فاتفق مباشرة الريحانى مع بديع، لم يعد بديع يذكر أنه كتب من الباطن، لأنها صارت حيلة مستهجنة، بينما في الماضى وقبل إقرار حقوق الملكية الفكرية لم يجد حرجا في ذكر تلك الحقيقة.

لدينا واقعة أخرى ذكرها بديع في مذكراته، بينما صار الأصدقاء والورثة يتعمدون تغييرها، وهى كيف تغلب بديع على خجله، عندما التقى الريحانى لأول مرة؟، الواقعة كما ذكرها في مذكراته أنه ذهب إلى خمارة في شارع (عماد الدين) بالقرب من مسرح الريحانى، واحتسى كأس أو اثنين، حتى يمتلك الشجاعة اللازمة، ومع تراجع المجتمع في التسامح مع مثل هذه الأمور، صار البعض يكتب الواقعة على النحو التالى أنه ذهب للجامع وصلى ركعتين، داعيا الله أن يقويه ويمنحه الشجاعة.

من غير الكأس إلى الصلاة؟، هي تفصيلة صغيرة كما ترى، ولكنها تكشف كيف أصبحنا نتحسس ونتحسب لكل كلمة، هل الحقيقة، كل الحقيقة، تعلن كما ذكرها (الفاجومى)، أم نصفها كما ذكر (بديع)، أم أن علينا من الآن (ورايح) أن نضع عليها غطاء دينيا كما فعل أحفاد بديع؟!!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بديع وأحفاد بديع بديع وأحفاد بديع



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib