السينما بين القطط والبشر

السينما بين القطط والبشر!

المغرب اليوم -

السينما بين القطط والبشر

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

عندما ذهبت لكى أشاهد الفيلم للمرة الثانية، ليس بسبب براعة المخرج، ولكن لأننى قررت أن أمنحه فرصة ثانية، وهى حماية الجمهور، البعض يصنع أفلامه مباشرة لهم، كنت موقنا من المرة الأولى أن كل المشاركين فيه لم يستطيعوا قراءة شفرة المتفرج، وهكذا لم يتجاوز الحضور أربعة، غادر منهم اثنان دار العرض بعد الاستراحة، ولم يبق صامدا سوى العبد لله ومشاهد آخر، انتظر ليقرأ كلمة النهاية، ثم انهال بعد ذلك بكل ما يملك من ألفاظ جارحة على صُناعه.

الفيلم لا يحمل فكرا ولا خصوصية وفى نفس الوقت يخاصم مشاعر الجمهور، تذكرت درس المخرج الكبير حسين كمال، لم أجد فنانًا يتمتع بكل هذا الصدق مع النفس مثل حسين كمال، استطاع فيلمه الروائى الأول «المستحيل» أن يحقق درجة من النجاح النقدى أدت إلى أنه أصبح يخشى من النجاح، ورغم ذلك كان هذا مجرد حضور على صفحات الجرائد وفى المهرجانات، بينما دور العرض لم تشهد إقبالًا، على العكس تماما كان هناك إحجام جماهيرى، إلى درجة أن حسين كمال كما قال لى، ذهب إلى إحدى دور العرض فى حى (السيدة زينب) فوجدها خاوية إلا فقط من قطة تحتل أحد المقاعد فى الصف الأول، وظل حريصًا على مراقبة القطة التى صمدت حتى نهاية عرض الفيلم، كثيرًا ما كنت أراه يتندر بهذه الواقعة ويقول «القطة لم تستطع حتى إقناع زوجها القط بمشاهدة الفيلم معها»!.

وما حدث فى «المستحيل» تكرر مع «البوسطجى» و«شىء من الخوف»، يومها قال حسين كمال «لن أقدم أفلامى للمقاعد الخاوية والقطط الضالة.. أفلامى ينبغى أن يراها الناس». ورغم هذا الرأى القاسى فإن أفلامه الروائية الثلاثة الأولى دخلت التاريخ واحتلت مراكز متقدمة باعتبارها من أفضل ١٠٠ فيلم فى تاريخ السينما المصرية، وأيضًا مع مرور الزمن ومن خلال شاشات التليفزيون أصبحت أفلامًا جماهيرية ينتظرها الناس ويتشوقون لمشاهدتها!.


حسين كمال لم يتهم مثلًا الجمهور بأنه لم يصل إلى مستوى أفلامه، ولم يوجه سهام غضبه إلى النقاد، ولكنه سأل نفسه: «لمن تقدم الأفلام؟»، وجاءت الإجابة: «إلى الجمهور»، وإذا وجد الناس صعوبة فى التلقى، فلا يمكن أن يتهم الجمهور بالقصور الذهنى.. لم يقل «حسين» أنا أقدم أفلامى للمهرجانات أو لطبقة قادرة على تذوق الجمال الفنى الكامن، ولكنه فى لحظة صدق مع النفس قرر أن يعيد حساباته مع نفسه أولًا، فلا يتنازل عن الجمال الفنى، كما يراه لكنه أيضًا وبنفس الدرجة يحيله إلى جمال يتذوقه رجل الشارع، وهكذا جاءت لحظة فارقة فى حياته عندما قدم الفيلم الجماهيرى، بل إنه كما يراه البعض أكثر الأفلام فى تاريخ السينما المصرية تحقيقًا للإيرادات «أبى فوق الشجرة».. رغم أنه لم يكن هو صاحب الخطوة الأولى لتقديم الفيلم، إلا أنه كان يحلم بتقديم فيلم جماهيرى يصل للناس ومن خلال نجم جماهيرى بحجم نجومية «عبد الحليم حافظ»!.

لم يكن نجاح «أبى فوق الشجرة» مرتبطا فقط باستمراره فى دور العرض ٥٢ أسبوعًا وذلك عام ١٩٦٩، المفاجأة أن الفيلم كان قبل نحو ٣٠ عاما يعاد عرضه سنويًا فى دور العرض منذ السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات منافسًا الأفلام الجديدة.

أفهم أن هناك أحيانا أفلاما تقدم وفى يقين المخرج أنه يقدمها للمهرجانات، مراهنا على جمهور الزمن القادم. الكارثة فى الفيلم الذى رأيته قبل ساعات قليلة أنه لم يقنع البشر ولا حتى القطط بقطع التذكرة!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السينما بين القطط والبشر السينما بين القطط والبشر



GMT 21:07 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادي

GMT 21:05 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا وتخمة القادة الأسطوريين

GMT 21:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الآن؟

GMT 21:01 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 20:57 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سلام عليك يا شام

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

فريدريش ميرز... وأوان الترمبية الألمانية

GMT 20:53 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

أوراق اعتماد

GMT 20:51 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

دولة صيدنايا!

صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

الرياض - المغرب اليوم

GMT 13:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best
المغرب اليوم - إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 06:25 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار ونصائح لتزيين المنزل مع اقتراب موسم الهالوين

GMT 12:13 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 17:20 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

أميرة ويلز تعلن إنهاءها جلسات العلاج الكيماوي

GMT 13:35 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib