حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

المغرب اليوم -

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

حرب غزة، وتقدم إيران في إنتاج اليورانيوم المخصب، وإدارتها لمعارك بالوكالة من اليمن ولبنان والعراق وسوريا، كل هذه عوامل جديدة تعجِّل بحتمية المواجهة بين إيران وإسرائيل. في عام 2007، كتبت في هذه الصحيفة عن حتمية المواجهة بين إيران وإسرائيل، ومرَّ أكثر من عقد من الزمان ولم تحدث المواجهة المباشرة؛ فلماذا الكتابة عنها الآن، خصوصاً أن توقعاتي يومها لم تكن أفضل مما هي عليه الآن؟ في تصوري أن ثمة مجموعة من العوامل استجدَّت على المشهد الإقليمي تجعل المواجهة أقرب إلى الحتمية، خصوصاً فيما يتعلق بهزيمة إسرائيل الاستراتيجية في حربها على غزة التي دخلت في شهرها السابع الآن، ولذلك يبحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مخرج؛ بتوسيع الحرب إقليمياً، على أمل أن هذا سيشتري له بعض الوقت، في انتظار مجيء دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

الحرب على غزة خلقت سياسة استراتيجية مختلفة، ليس على مستوى الإقليم فقط، وإنما على مستوى الحوار الاستراتيجي العالمي برمته، ولا شك أن إيران استفادت من هذا السياق أكثر من إسرائيل.

استطاعت إيران، ومن خلال ذراعها في اليمن، أن تؤكد أنها قادرة على التأثير في تعطيل الملاحة بالبحر الأحمر، كما أن سلوك إسرائيل في غزة الذي بلغ مستوى الإبادة الجماعية جعل كثيراً من الدول العربية غير راغبة في الدخول بالتحالف الأميركي فيما يخص أمن البحر الأحمر. أن تستطيع مجموعة بدائية، مثل حركة بدر الدين الحوثي، أن تعطل الملاحة من باب المندب إلى قناة السويس، ودور إيران في ذلك، تزيد من غضب العالم تجاه إيران، وقد تستغل إسرائيل حالة الغضب هذه للدخول في حرب مع إيران من أجل غسل سمعتها التي تلطخت تماماً بمفاجأة «طوفان الأقصى» وعدم قدرة مخابراتها على توقُّع هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفشل الجيش الإسرائيلي في الرد على هذا التهديد في توقيته، كل ذلك جعل سمعة الجيش والمخابرات في إسرائيل محل شك عالمي كبير. ولاستعادة صورتها القديمة الخاصة بالجيش الذي لا يُقهر والمخابرات التي لا تنام لا بد لإسرائيل أن تدخل مواجهة جادة مع دولة إقليمية كبيرة، وإيران هي الهدف المناسب. فهل تستطيع؟

الأمر الثاني والأهم أن إيران اليوم قادرة على إنتاج عشر قنابل نووية، وهي على عتبة الإعلان أو الاختبار، حسب تقارير متخصصة. في عام 2007، وعندما كتبت عن حتمية المواجهة كانت تقديرات الفريق المتخصص في تقييم البرنامج النووي الإيراني داخل «معهد الدراسات الاستراتيجية» بلندن، أن إيران قادرة على تركيب ثلاث وحدات من محركات الطرد المركزي، قوام كل منها 164 محركاً، ولكن في تلك الفترة كانت إيران قادرة على تثبيت وحدة واحدة، وغير قادرة على ضبط التنسيق بين الوحدات الأخرى لإنتاج كمية كافية من الهكسا فولورايد واليورانيوم المخصَّب التي تستطيع معها بناء قنبلة واحدة.

لم يكن الفريق الذي يعمل في هذا المجال سياسياً، ولكنه كان فريقاً علمياً له جانب سياسي، وكلهم علماء، وزار بعضهم إيران للتأكد من هذه القدرات؛ فإذا كانت إيران قادرة على إنتاج قنبلة (لنَقُل) في 2010؛ فترى كم من القنابل تستطيع إنتاجها بعد 14 عاماً من السيطرة على التقنية والإلمام بمشاكل محركات الطرد المركزي؟ في تقديري أن إيران يمكن أن يكون لديها ما يقرب من عشر قنابل الآن، وهذا ليس تقديري وحدي، ولكن أيضاً تقييم علماء متخصصين.

في 2014، أعلنت إيران أنه سيتم تركيب 3 آلاف جهاز طرد مركزي جديد في منشأة ناتانز. وبالطبع لم تكن ساذجة عندما ادعت أنها تمتلك 3 آلاف جهاز طرد مركزي، أي ما يعادل 18 وحدة، فهذا كافٍ لكي تستطيع تخصيب كمية من اليورانيوم قادرة على إنتاج أكثر من قنبلة نووية واحدة.

ولكي أوضح النقطة، لا بد أن أعرّج على شرح تعقيدات عملية التخصيب التي أظن أن إيران وبعد عقد من الزمن تملك ناصيتها، وسأحاول هنا تبسيط عملية التخصيب المعقدة ليفهمها القارئ العادي.

بدايةً يحتوي اليورانيوم العادي في المناجم على 0.7 في المائة من الـU235 أيزوتوب. أما البقية العادية فهي تمثل U238؛ نسبة الـ0.7 في المائة هي التي تُستخدم في التخصيب. عملية التخصيب هي محاولة رفع الـU235 إلى نسبة 5 في المائة، بدلاً من 0.7 في المائة، وهذا ما تحتاج إليه المفاعلات الحديثة. ويتم التخصيب إما عن طريق جهاز طرد مركزي، أو عن طريق التجميع الداخلي. وهي محاولة لعزل، على الأقل، 85 في المائة من الـU238 النقي عن طريق إدخال الهكسا فلورايد في طريقين (Streams 2)؛ طريق يتم فيها تخصيب اليورانيوم، والطريق الأخرى يتم فيها التنضيب.

بعد الوصول إلى مستوى التخصيب اللازم، يوضع اليورانيوم المخصَّب في مراكز الطرد للحصول على تركيز U235 بنسبة 5 في المائة.

في 2014، ذكرت إيران أن درجة النقاوة التي توصلوا إليها لـU235 هي 35 في المائة، أي أقل بكثير من النسبة المطلوبة (85 في المائة)، وكذلك لم يتوصل الإيرانيون إلى تركيز لـU235 بنسبة أكثر من 3 في المائة، أي أقل أيضاً من النسبة المطلوبة (5 في المائة). وتؤكد دراسات استراتيجية أن إيران اليوم تمتلك حقاً الـ18 وحدة التي أعلنت عنها، وبذلك تكون قادرة في الوقت الحالي، من حيث الخبرة البشرية والتقنية، على تشغيلها في وقت واحد كمرحلة أولى من المراحل المتعددة والمعقدة للوصول إلى اليورانيوم المخصَّب.

بعد العملية الاستخباراتية التي قامت بها إسرائيل وأعلن عنها نتنياهو عام 2018 بشكل مسرحي عرض فيها الوثائق، وتباهى بقدرات المخابرات الإسرائيلية، أصبحت هناك قناعة داخل إسرائيل بأن حصول إيران أو إعلان إيران عن حصولها على القنبلة مسألة أشهر. هذه القناعة التي تزايدت بعد «طوفان الأقصى» نتيجة خوف إسرائيل من التهديد الوجودي هي التي تجعل المواجهة تقترب من حتميتها.

أما إدارة المعارك بالوكالة، خصوصاً من الجبهتين اللبنانية والسورية، فهو أمر يسبب قلقاً وجودياً لإسرائيل، ولذلك تكون حتمية الحرب قريبة هذه المرة. فقدرات «حزب الله» اليوم ليست تلك التي واجهتها إسرائيل عام 2006؛ فقد دخل الحزب عالم المسيّرات وأثبت قدرة جيدة في تضليل «القبة الحديدية»، كما أن الإسناد الحوثي اليوم يُعدّ قيمة مضافة، هذا علاوة على القدرات الإيرانية في سوريا التي لا نعرف عنها الكثير.

بعد كل هذا العرض، وفي ظل مأزق نتنياهو الداخلي، تصبح الحرب مع إيران مطلباً إسرائيلياً أكثر من كونه إيرانياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية حتمية المواجهة الإيرانية ــ الإسرائيلية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib