إلا قمة الرياض هذه السنة

إلا قمة الرياض هذه السنة!

المغرب اليوم -

إلا قمة الرياض هذه السنة

سليمان جودة
سليمان جودة

لأن مجموعة العشرين تضم تحت مظلتها الاقتصادات العشرين الأكبر في عالمنا المعاصر، فإن الاقتصاد في العادة يظل هو الطابع الذي يميز نقاشاتها عند انعقاد قمتها في كل عام.

ولأن الاقتصاد هو لغة السياسة في هذا العصر بالذات، فلقد كانت النقاشات تبدأ في كل قمة سنوية من السياسة وتنتهي إليها، حتى ولو حاولت الجلسات أن تتفادى أحاديث السياسة، وحتى ولو جربت قاعات النقاش أن تجعل من الاقتصاد المجرد ملعبها الذي لا تغادره!

ولأن الطاقة في عصرنا هي الوجه الأهم من وجوه الاقتصاد، وفي المقدمة منها طاقة النفط، فإنها كانت تسيطر على الأجواء كلما دعت المجموعة إلى قمة جديدة من قممها المتتالية، التي أتمّت خمس عشرة قمة بانعقادها هذه المرة في الرياض.

إلا قمة هذه السنة!

فلم تكن المملكة العربية السعودية تعلم، وهي تقبل في العام الماضي استضافة القمة الجديدة على أرضها، أن هذا العام سيكون استثنائياً بين كل الأعوام، وأنه سيظل يشار إليه فيما بعد على أنه عام الوباء، وأنه العام الذي أرهق العالم ولا يزال يرهقه، وأنه العام الذي أنهك الاقتصادات كلها ولا يزال ينهكها، وأنه يأبى إلا أن يترك عواصم الأرض تتقاذفها مخاوف الوباء العاتية، بينما هو يلملم أوراقه ويتهيأ لإخلاء الساحة أمام عام جديد سوف يجيء وسط أجواء تتفاءل في حذر!

لم تكن المملكة تعرف شيئاً من هذا، وهي ترحّب في مثل هذا الموعد من السنة الماضية، بأن يلتقي قادة الاقتصادات العشرين فوق أرضها وفي عاصمتها. لم تكن تعلم طبعاً، ولا كان أحد على الأرض يعلم، ولا حتى الذين كانوا يتسابقون في قراءة فنجان العام، فجميعهم قرأوا كل شيء في صفحة هذه السنة قبل ولادتها، إلا أمر الوباء الذي استخفى وتفنن في الاختباء عن عين كل قارئ فنجان!

ولم يكن أمام الرياض سوى أن تنهض بمسؤوليتها التي تفرضها مقتضيات استضافة القمة، ولا كان أمامها غير أن تضطلع بمهمتها الملقاة على عاتقها، ولم تكن المهمة في انعقاد أعمال القمة وفي انفضاضها وحسب، ولكنها كانت بالأساس في إنجاح هذه الأعمال، وفي الوصول بها إلى غايتها الأخيرة، وهي تتحرك على أرضية عام استثنائي بكل معيار.

وكان التحدي الأول هو هذا الوباء الذي أزاح كل شيء تقريباً من صدارة الاهتمام في الإعلام، ثم جلس في مكانه يستحوذ على كل الأضواء، ويثير القلق في كل اتجاه، فلا تكاد موجة أولى تنقضي منه وتتوارى بعيداً، حتى تسارع موجة ثانية إلى الحلول في مكانها!

وعندما أخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، مكانه رئيساً لأعمال القمة، أول الأسبوع، فإنه أشار إلى خريطة الأولويات التي على قادة العشرين أن ينشغلوا بها، واضعاً قضية فيروس «كورونا» على قمة الأولويات. لقد وضعها هكذا من زاوية إنسانية مجردة قاصداً أن يقول إن القمة إذا كانت لها وجوهها المتعددة، التي ظلت تتنقل بينها مع كل انعقاد جديد، فإن هذا هو وجهها الإنساني الجديد، الذي لا مفر من التعامل معه بمسؤولية كاملة.

في الفعالية التي ضمت قادة الأرجنتين، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية، ورئيسة التحالف العالمي للقاحات، أطلق الملك سلمان عبارة موجزة وموحية فقال: في ضوء التقدم الذي نشهده في تطوير لقاحات فيروس «كورونا»، فإن أولويتنا القصوى تتمثل في ضمان إتاحة اللقاحات، والعلاجات، والأدوات التشخيصية، بشكل عادل وبتكلفة ميسورة للجميع.

وكأن خادم الحرمين الشريفين كان يتنبأ بما ستعلنه شركة «موديرنا» في نفس اليوم الذي جرى فيه نشر كلمته الموحية الموجزة!

فلقد خرج ستيفان بانسيل، رئيس الشركة، ليقول في صباح الأحد، إن اللقاح الخاص بشركته سوف يكون متاحاً بسعر يتراوح من 25 إلى 37 دولاراً للجرعة الواحدة، وإنه سعر يقترب من لقاح الإنفلونزا الذي يبدأ من عشرة دولارات ويصل إلى خمسين للجرعة الواحدة.

ولم تكن المشكلة منذ البداية في القدرة على التوصل إلى لقاح، لأن العلم الذي تعامل مع أوبئة سابقة، يظل قادراً على أن يصل إلى لقاح «كورونا» مهما طال الطريق إليه. ولكن المشكلة كانت ولا تزال في سعر اللقاح حين يرى النور، وكانت ولا تزال في مدى قدرة العالم على أن يجعله في متناول كل إنسان، فلا يستأثر باللقاح بلد دون بلاد، ولا يبتعد توزيعه عن عدالة واجبة بين البشر!

ولم يعبر عن هذا المعنى شيء في أعمال وفعاليات القمة كلها، قدر ما عبرت عنه عبارة أخرى أطلقها الملك سلمان، فكانت كأنها الشعار الصادق، الذي يمكن أن يكون شعاراً ليس للقمة في حدودها، ولكن لهذه السنة كلها التي لفّها الوباء باللون القاتم من أول يوم فيها إلى آخر أيامها.

كانت العبارة كأنها تحمل «رسالة» إلى الذين سيكون عليهم إنتاج اللقاح وتوزيعه، فجاءت تقول: لن يسلم البعض من الجائحة حتى يسلم الجميع!

إنها عبارة من بضع كلمات، ولكنها تشرح في إيجاز فلسفة الخلاص من الوباء، وتلفت انتباه الجميع إلى أن الوباء إذا كان قد ضرب كل بلد من دون استثناء، فإن علاج جسد العالم منه لا تنفع معه طريقة انتقائية تعالج موضعاً في هذا الجسد، ثم تدع موضعاً آخر أو عدة مواضع، وإنما الدواء لا بد أن يصل إلى كل المواضع في الجسد العالمي المُنهك، الذي لن يبرأ منه جانب إذا غضضنا البصر عن باقي الجوانب!

وربما يكون من حُسن حظ العالم أن شركات عدة تتنافس هذه الأيام في إنتاج اللقاح، فما كادت شركة «فايزر» الأميركية تعلن في العاشر من هذا الشهر أنها توصلت بالتعاون مع شركة «بايونتيك» الألمانية إلى لقاح يوشك أن يكون حقيقة، وأن فاعليته تبلغ تسعين في المائة، حتى كانت شركة «موديرنا» الأميركية أيضاً تعلن بدورها أنها أمسكت بملامح لقاحها الخاص، وأن فاعليته تزيد على التسعين في المائة بأربع درجات ونصف الدرجة، وكأنهما قررتا الدخول في سباق!

ولم تقبل الشركة الأولى بأن تكون في المرتبة الثانية، فعادت بعدها بأيام لتعلن من جديد أن فاعلية لقاحها قفزت لتصل إلى الدرجة الخامسة والتسعين!

ونحن نعرف أن ألف باء الاقتصاد تقول إن كل منافسة حرة في إنتاج أي سلعة هي عمل يصب في صالح مستهلك هذه السلعة في آخر المطاف.

ومن يعرف؟! فربما تنضم شركات أخرى إلى السباق، خلال هذه الأيام الحاسمة في ملاحقة الوباء، فيخرج المستهلك، الذي هو كل إنسان، رابحاً في غاية المشوار.

ولكن الأهم في الموضوع ألا يغيب عن الأذهان، هذا الشعار الذي أطلقه الملك سلمان إلى أصحاب الأمر في الإنتاج وفي التوزيع، لأن الحديث عن أن «البعض لن يسلم من الجائحة حتى يسلم الجميع» ليس مجرد شعار، ولكنه حديث عن أسلوب عمل في التعاطي مع لقاحات الوباء لن يكون له بديل.

وإذا كان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، قد اقترح في جلسة الختام أن تنعقد القمة بدءاً من السنة القادمة مرتين؛ إحداهما افتراضية في منتصف العام والأخرى مباشرة عند نهايته، فهذه فكرة كفيلة بالانتقال بمجموعة العشرين إلى مربع آخر من كفاءة الأداء!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلا قمة الرياض هذه السنة إلا قمة الرياض هذه السنة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 10:08 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام 2024
المغرب اليوم - 3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام 2024

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib