بقلم - سليمان جودة
يترقب المصريون تفاصيل ما بعد خطاب التنصيب، ويتمنى كل واحد فيهم لو أن فكرة المراجعة تصبح التفصيلة الأهم فى المشهد.
شىء من هذا أقصده عندما أتحدث عن مراجعة أترقبها بقدر ما يترقبها غيرى اقتصاديًّا بالذات، وربما يكون علينا أن ننتبه هنا إلى أن المراجعة فى حد ذاتها فكرة شجاعة، وهى لا تنال ممن يمارسها، ولكنها تضيف إليه على الدوام.
ولأننا على باب ولاية رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات، ولأن هذه الولاية الثالثة سبقتها ولايتان مدتهما معًا عشر سنوات، فالمتصور أن تأخذ الثالثة مما سبقها، وأن تبنى عليه، وهى لن تفعل ذلك إلا إذا كانت المراجعة حاضرة بمعناها الصحيح.
وإذا كنا نعيش هذه الأيام فترة من التقاط الأنفاس، وخصوصًا بعد صفقة رأس الحكمة، واتفاق صندوق النقد الدولى، واتفاقية الاتحاد الأوروبى، فعلينا ألا ننسى أن هذه فترة سبقتها فترة صعبة للغاية، وقد كان المصريون وقتها يضعون أيديهم على قلوبهم، وكانوا يدعون الله أن تمر الدنيا على خير.. وقد كانت السماء على موجة واحدة معهم فى الإرسال والاستقبال، فاستجابت، ووجدنا أنفسنا وجهًا لوجه مع الصفقة والاتفاق والاتفاقية فى وقت واحد تقريبًا.
هذا كله أدعى إلى أن تكون المراجعة حاضرة، وهذا كله أدعى إلى ألا نخشى من الاعتراف بأن الممارسة الاقتصادية فى السنوات العشر قد شابتها بعض الأخطاء فى السياسات وفى تطبيقها.. وهذا بالمناسبة ليس عيبًا لأن الذى يخطئ هو الذى يعمل.. ولكن فى المقابل هو مَن أخذ مما مضى ليضيف إلى ما هو مقبل.
إن المستثمرين على سبيل المثال كانت لهم مطالب فيما مضى، وهى مطالب أخذت الحكومة ببعضها، ولم تأخذ بالبعض الآخر، وهذا ما سوف يكون علينا أن نتداركه لأن قضية الاستثمار تؤخذ كلها أو تُترك كلها، ولا يُجدى فيها التجزئة أو التقسيط.. وعندما أقول الاستثمار والمستثمرين فإننى أعنى المستثمر الوطنى فى المقام الأول، لا المستثمر الأجنبى، ليس بالطبع عن موقف ضد الثانى، ولكن لأن المستثمر الأجنبى يتطلع دائمًا إلى المستثمر الوطنى باعتباره الترمومتر الماثل أمامه.. فإذا ارتفع مؤشر هذا الترمومتر جاء المستثمر الأجنبى وأقبل، وإذا لم يرتفع أمام عينيه تراجع وأحجم.. هذا باختصار وبدون كلام كثير.. ونحن بالتأكيد نريده مقبلًا على بلدنا، ونريده قاصدًا إيانا دون سوانا من المقاصد التى من حولنا، غير أن إقباله لا يتم تلقائيًّا ولا بالمجان.