ليلى المريضة في العراق

ليلى المريضة في العراق

المغرب اليوم -

ليلى المريضة في العراق

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

 

الذين يتابعون الأحوال فى العراق يعرفون أن منصب رئيس مجلس النواب خلا منذ تسعة أشهر، وأن البحث لايزال جاريًا عن رجل يتولى المنصب.

والمشكلة ليست فى العثور على مثل هذا الرجل، ولكن المشكلة أنه لابد أن يكون من السُّنة!.. أما علامة التعجب التى وضعتها بعد كلمة «السُّنة» فلا تكفى بالتأكيد للتعبير عن حجم الدهشة عندى فى الموضوع، ولا أظن أن كل علامات التعجب فى الدنيا تكفى.

إننى أفهم أن يكون الرجل المطلوب لرئاسة البرلمان عراقيًا بالأساس، إذ يكفى أن يكون متمتعًا بجنسية بلاد الرافدين ليصبح مؤهلًا لتولى أى منصب.. وإذا كانت صفات أو مواصفات أخرى ستكون مطلوبة فيه فهى فى حكم التفاصيل لاشك.. أما أن يكون المطلوب فيه أولًا أن يكون سُنيًا، فهذا معناه تصنيف للعراقيين بما لا يجوز، ومعناه أن كل مَنْ هو غير سنى لا يستطيع تولى هذا المنصب، لا لشىء إلا لأنه شيعى أو كردى مثلاً، مع أنه عراقى ابن عراقى!

كان هذا الوضع المحزن من بين ما جناه الاحتلال الأمريكى للعراق فى ٢٠٠٣، فمن قبل كان العراقى كعراقى يمكن أن يكون فى أى منصب فى البلاد من أول رئيس الجمهورية إلى أصغر منصب فى البلاد، ولكن من بعدها انقلب الحال ووضع الأمريكان أساسًا طائفيًا كريهًا للحياة السياسية فى العراق، وأصبح على رئيس البلاد أن يكون كرديًا، وعلى رئيس الحكومة أن يكون شيعيًا، وعلى رئيس البرلمان أن يكون سُنيًا!.

تجرى التفرقة بين المواقع الثلاثة على هذا الأساس الطائفى الكريه، مع أن الثلاثة الذين يتولونها فى النهاية عراقيون، بل هُم عراقيون فى البداية وقبل كل شىء، ومع أن عراقية كل واحد فيهم هى الأصل وهى السابقة على كل ما سواها.

لقد عرف لبنان هذه الصيغة البائسة قبل العراق، وأمامنا لبنان وما انتهى إليه من سوء حال لا تستطيع الكلمات التعبير عن المدى التعيس الذى وصل إليه.. والقاعدة المنطقية تقول إنك لا يمكن أن تفعل الشىء نفسه للمرة الثانية، ثم تتوقع نتيجة مختلفة عما وصلت إليه فى المرة الأولى.

المواطنة ستبقى الحل الساحر فى العراق، وفى لبنان، وفى أى بلد سواهما، وهى حل ساحر لأنها وصفة مُجرّبة ونجاحها مضمون، ولأنها تضع المواطنين جميعًا على أرض سواء، فلا تفرق بينهم على أساس الدين أو غيره، وإنما على أساس الوفاء بالواجبات التى تفرضها المواطنة، ثم على أساس الحقوق التى تمثل الوجه الآخر للواجبات، ولا شىء أقل من ذلك أو أكثر.

لقد عشنا نسمع بيت الشعر الذى يقول: «قالوا ليلى فى العراق مريضة.. فيا ليتنى كنت الطبيب المداويا».. ولم يكن الشاعر يتوقع أن ينتقل المرض من ليلى للعراق نفسه. وإذا كان داء الطائفية قد أصاب البلد مع دخول الأمريكيين، فلا دواء لهذا الداء إلا المواطنة التى تقدم عراقية أى عراقى على كل ما عداها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليلى المريضة في العراق ليلى المريضة في العراق



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib