أسير العصر والصورة

أسير العصر والصورة

المغرب اليوم -

أسير العصر والصورة

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

قد يتصور الإنسان أنه أكثر سعادة فى القرن الحادى والعشرين، وأن الذين عاشوا فى قرون سابقة كانوا أقل منه سعادة فى الحياة.

ولكن السؤال هو دائمًا عما يسعد به الإنسان فى حياته، وعما إذا كانت السعادة نسبية وتختلف من حيث معناها من شخص إلى آخر، أم أنها مطلقة بمعنى أن ما يجد فيه إنسان هذا العصر سعادته هو نفسه ما كان يجده إنسان العصر الذى سبق؟.

إن كثيرين ممن يعيشون بيننا عاشوا سنوات من حياتهم فى الريف، ولم يكن الريف وقتها يعرف الكهرباء، وكان يخلو بالتالى من أى جهاز يعمل بالكهرباء، وكان الجهاز الوحيد هناك هو الراديو لأنه كان يعمل بالبطاريات، ولم يكن فى حاجة إلى كهرباء لينطق بها أو يذيع ما كان يذيعه على جمهوره الواسع.

كان الراديو هو أداة الاتصال الوحيدة التى تربط إنسان ذلك العصر بزمانه، وكان يجد فيه كل ما يحتاجه مما يفيده ويسليه، ولم يكن يشعر بشىء ينقصه.. بل ربما حدث العكس هذه الأيام، وربما أحس جمهور الراديو أنه يفتقده، وأنه يتمنى لو عاد يسمعه، وأن كل منجزات عصره فى القرن الحادى والعشرين لم تعوضه عن متعة الإنصات إلى ما كانت الإذاعة توزعه على الجمهور.

كان جمهور الراديو يحفظ أسماء المذيعين والمذيعات لأن أسماءهم كانت تتردد بين البرامج، وكان يحفظ أصواتهم لا أسماءهم وحدها، وكان يرسم لهم صورًا فى خياله، وكانت الصورة الخيالية للمذيعة أو المذيع تتشكل على أساس الصوت والاسم لا على أى أساس آخر.

وربما لهذا السبب رفض كثيرون من مذيعى ومذيعات الراديو الظهور فى التليفزيون عندما غطى على الراديو، وعندما سحب جزءًا كبيرًا من جمهوره، وكان سبب الرفض أن المذيعة ذات الصوت الجميل المميز النبرات قد لا تكون على المستوى نفسه فى معالم الشكل، ولذلك، فإن ظهورها سوف يجرح صورتها المرسومة لدى جمهورها الذى أحبها لصوتها، والذى رسم لها صورة ذات ملامح محددة بناءً على نبرة الصوت، وحلاوته، وتميزه بين الأصوات.

يقارن جمهور الراديو بينه وبين التليفزيون، فيكتشف أن الإذاعة تكسب، وأنها كانت أكثر متعة فيما تقدمه، وأن الصورة التى تميز التليفزيون عنها قد سلبت خيال المستمع، وجعلته أسير الصورة على الشاشة، ولا أدَلَّ على ذلك إلا أنك إذا خيرت أحدًا من «السميعة» الحقيقيين بين أن يسمع أم كلثوم فى الراديو، أو يشاهدها على شاشة التليفزيون، فسوف يفضل الاختيار الأول، وسوف لا يجد فى صورة سيدة الغناء على الشاشة ما يمتعه فى شىء.

وليس مثال أم كلثوم إلا واحدًا من أمثلة كثيرة، وكلها تقول إن الإنسان الذى قد يتصور سعادته فى هذا العصر، إنما يستيقظ فى أحيان كثيرة على أن ما يتصوره ليس هو الحقيقة، وأن المتعة فى الغناء مثلًا هى الصوت لا الصورة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسير العصر والصورة أسير العصر والصورة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 16:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك
المغرب اليوم - مباحثات مغربية أميركية لتعزيز التعاون العسكري المشترك

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:18 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 17:18 2022 الأربعاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

« بكتيريا متطرفة » لإزالة التلوث النفطيِ

GMT 23:41 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

هامبورغ أكثر الأماكن المذهلة لقضاء شهر العسل

GMT 14:14 2017 الإثنين ,05 حزيران / يونيو

اتحاد طنجة يخطط لضم نعمان أعراب من شباب خنيفرة

GMT 16:18 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

الإتحاد الأوروبي يطلّق تحقيقاً مع تيك توك ويوتيوب

GMT 22:58 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

الأحرش بطلا للمغرب في القفز على الحواجز

GMT 02:12 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

أجمل المعالم السياحية في جزيرة كريت اليونانية

GMT 16:08 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

بني ملال تبحث تدبير ما بعد فترة "الحجر الصحي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib