زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة

زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة

المغرب اليوم -

زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

هناك مسرحية شهيرة للمؤلف والكاتب المسرحي السويسري فريدريش دورينمات (1921 – 1990) اسمها «زيارة السيدة العجوز» وهي الأشهر بين مسرحياته التي ينتمي معظمها إلى جنس «التراجيكوميدي» الهزلي المأساوي، حسب وصف المتخصصين. وفي المسرحية تقع فتاة في حب شاب من القرية، ويقيم معها علاقة، ثم يتخلَّى عنها وتحاول اللجوء إلى القضاء لإجباره على الاعتراف بالجنين، لكنه يستخدم شهود زور ويهرب، ثُم تترك المدينة وتعود بعد خمسين عاماً وقد أصبحت شديدة الثراء، وكان معها كفن، وقد استطاعت استمالة أهل القرية لها، ووعدتهم بالمال الوفير في حال قتل الحبيب السابق. ويبدأ أهل القرية في شراء أشياء كثيرة حيثُ إنها سوف تعطي لهم مبالغ كبيرة، ويقرر أهل القرية ضرورة قتله حتى يتسنى لهم أخذ الأموال، ويلجأ للشرطة فتتجاهله، ويذهب للقس، لكنه لم يُعرْه اهتماماً، ويطلب منه أهل القرية أن ينتحر حتى يتسنى لهم الحصول على أموال السيدة العجوز، لكنه يقرر اعتزال أهل القرية، ويبقى وحيداً حتى يموت.
المسرحية أصبحت من أكثر المسرحيات انتشاراً سواء كان ذلك في المسرح أو في السينما («الزيارة» بطولة إنجريد بيرغمان وأنتوني كوين 1964) وكلما جرى تخيُّل عقدة في الحياة محورها زيارة. ومن الشائع في الأدب والفن أن يقوم النقاد بإسقاطات سياسية واجتماعية على العمل الفني، وعندما عُرض الفيلم في منتصف الستينات فإنه جرى تفسير «الزيارة» على أنها جاءت من الولايات المتحدة إلى أوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية ومن بعدها استقرت لهندسة الأمور الأوروبية، وفق مصالحها، مستخدمةً في ذلك أموالها الطائلة (مشروع مارشال). التفسير هكذا له طبيعة يسارية لها شكوكها في المال وأصحابه وطريقة إنفاقه لخدمة مصالح ذاتية قد يكون الانتقام لجرائم سابقة، وقد يكون نوعاً من الهيمنة والسيطرة المَرضية لصاحب المال والثروة والذي يسرّه كثيراً خلق أتباع وخدم. مثل هذا التفسير لا يزال جارياً، ويستخدم بعضاً منه فلاديمير بوتين، وفصائل من اليسار الأوروبي.
مناسبة العودة إلى هذه المسرحية، هي أنه بات معلناً أن الرئيس الأميركي بايدن سوف يقوم بزيارة للشرق الأوسط قبل نهاية شهر يونيو (حزيران) الجاري. وليس سراً أن القائد الأميركي هو من كبار السن، وأنه على عكس سابقه ترمب يعتقد أن الرسالة الأميركية إلى العالم والقائمة على أن الديمقراطية الأميركية كنظام سياسي هي الأقدر على حل مشكلات الدول والأقاليم والمجتمعات، خصوصاً في بلدان توجد فيها «السلطوية» و«الأوتوقراطية» وغيرها أسماء مشابهة لا يأتي منها خير. ومنذ استقر هذا الإعلان حتى كثرت الزيارات من ممثلي أميركا إلى دول الشرق الأوسط المختلفة وهم عادةً من الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية، وفي المقابل تدافعت زيارات مقابلة من دول المنطقة. كل هذه الحركة التي تعد للزيارة المرتقبة تقع في ظل عدد من الظروف الواجب أخذها في الحسبان:
أولها أن هناك حرباً جارية بين روسيا وأوكرانيا من جانب، وبين موسكو وواشنطن ومعها حلف الأطلنطي من جانب آخر. وإذا كانت الحرب لها نتائج سياسية واستراتيجية، فإن نتائجها الاقتصادية باتت الأعلى صوتاً لأنها تؤثر في العالم وتجعل الطاقة والنفط على رأس القضايا العالمية بما تسببه من تضخم وارتفاع في الأسعار. وثانيها أنها تقع بينما أعلنت وأخذت الولايات المتحدة بسبيل الخروج من الشرق الأوسط، في الوقت الذي باتت ترى أن أعداءها ومنافسيها في العالم هما روسيا والصين؛ أما أصدقاؤها وحيث توجد أكبر الفرص الاقتصادية المتاحة فهي في شرق وجنوب شرقي آسيا. وثالثها أنه لا توجد مشكلة في الشرق الأوسط تستحق الاهتمام قدر الاتفاق النووي مع إيران؛ أما الإرهاب أو الفوضى فهي قضايا للمنطقة لكي تحلّها، ولكن واشنطن لها نظرتها الخاصة التي ترفع صفة الإرهاب عن الحوثيين في اليمن والجماعة الإسلامية في مصر وعدد من المنظمات الإرهابية الأخرى، أما «الحرس الثوري الإيراني» ففيه نظر. ورابعها أن السيد بايدن يأتي إلى المنطقة وهو على أبواب معركة سياسية داخل أميركا خاصة بالتجديد النصفي للكونغرس والتي إذا حقق الجمهوريون أهدافهم فيها فسوف يشلّون أعمال إدارة بايدن فيما تبقى له من وقت حتى الانتخابات الرئاسية القادمة المحتمل أن يكون المرشح الجمهوري فيها هو دونالد ترمب أو شخصاً يشبهه. وخامسها أن رد فعل المنطقة على كل ما سبق هو الاعتماد علي الذات، ومنذ «إعلان العلا» الصادر عن القمة الخليجية فإن عملية تبريد وتهدئة لحرارة المنطقة بدأت في الدوران. قبل الإعلان كان بعضاً من دول المنطقة قد دخل في عملية «السلام الإبراهيمي» مع إسرائيل، وبعده بدأت عمليات فتح الأبواب والنوافذ مع إيران وتركيا؛ وهكذا عادت علاقات قُطعت، واستأنفت مبادرات إقليمية طريقها في خلق تفاهمات داخل الإقليم.
قد يكون هناك ما هو أكثر من ذلك يجري في المنطقة وفي العالم وينبغي أخذه في الحسبان، ولكن الزيارة لها أهميتها الخاصة، لأنها تأتي من دولة مهما قيل من تراجعها فإنها لا تزال القوة العظمى الأولى في العالم، حتى ولو جاءت من قائد مسنّ يريد تحقيق مكاسب خاصة، لأن بعضاً من مشكلاته الاقتصادية هي مشكلاتنا أيضاً. الدول العربية الخليجية المنتجة للنفط عليها أن تكون واضحة وصريحة أنها أياً ما سوف تقوم به فهو لخدمة الاقتصاد العالمي ومصالحها، وأنه ينبغي أن يكون مفهوماً أنه لا يجب الضغط على الدول المنتجة ساعة ارتفاع الأسعار، بينما يدير العالم وجهه في الناحية الأخرى ساعة انخفاضها. وفيما يتعلق بمشكلات الشرق الأوسط ومعضلاته، فإن أهل مكة أدرى بشعابها، وفي الواقع فإنه في كل مرة تتدخل فيها الولايات المتحدة في المنطقة فإن القرار يهرب منها إلى واشنطن، وساعتها فإن عواصم أخرى في العالم مثل بكين وموسكو تبحث عن نصيبها أيضاً من كعكة القرار. وإذا كان هناك همٌّ إسرائيلي لدى الولايات المتحدة، فإن الواقع الحالي يشير إلى وسائل متعددة لاستيعاب إسرائيل داخل الشرق الأوسط كما حدث في اتفاقيات سلام والعلاقات المباشرة، وإقامة منتدى غاز شرق البحر المتوسط، وفي أشكال أخرى من التفاهمات في شمال البحر الأحمر وحرية المرور البريء، سواء كان في البحر أو في الجو. ما يقف أمام هذا الاستيعاب الشامل حتى الآن هي السلوكيات الإسرائيلية المستمرة في الاستيطان في المنطقة «سى C» الفلسطينية، والتمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، وفي الاعتداء المستمر على الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في القدس، سواء من الحكومة الإسرائيلية أو المتطرفين اليهود في القدس وعلى المسجد الأقصى. كل ذلك يمكن التعامل معه على أسس إقليمية مباشرة، كما حدث في كل التطورات الإيجابية التي جرت خلال السنوات الأخيرة. بقي أمر واضح وصريح وهو أنه فيما يتعلق بإيران فلا ينبغي أن يكون مسموحاً لها بامتلاك السلاح النووي، ولا بأس من تشجيع المقترح القديم أن تكون منطقة الشرق الأوسط كلها منزوعة السلاح النووي ومعه كل أشكال أسلحة الدمار الشامل الأخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة زيارة بايدن المرتقبة وإشكاليات المنطقة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib