الجغرافيا والديموغرافيا والانتخابات

الجغرافيا والديموغرافيا والانتخابات

المغرب اليوم -

الجغرافيا والديموغرافيا والانتخابات

عبد المنعم سعيد
بقلم : عبد المنعم سعيد

يعيش الإنسان في مدارات متعددة من الزمان والمكان، والتاريخ والجغرافيا، والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الإنسان المصرى لديه رؤية مزدوجة للجغرافيا، فهو يقدس حدودها، وعلى استعداد للذود بحياته دفاعًا عنها؛ ولكنه في نفس الوقت تولد لديه اعتقاد بفقر الجغرافيا المصرية، حيث لا تصير الصحراء شرقًا وغربًا إلا قفارًا جدباء قاحلة لا يصح فيها الزرع ولا يعيش فيها الضرع.

وحتى عام ١٩٥٢ عاش المصريون في ٣٪ فقط من مساحة الأرض المصرية، البالغة مليون كيلومتر مربع، وكان العدد يومها ٢٠ مليون نسمة. بعد سبعين عامًا لم يعِش المصريون إلا على مساحة قدرها ٧٪ من الأرض المصرية، ووقتها كان عدد المصريين ٨٠ مليون نسمة. والآن تجاوز عدد المصريين ١٠٥ ملايين، بعد زيادة قدرها ٢٠ مليونًا خلال عشر سنوات.

وأُضيف إليهم ما يتراوح بين ١٠ و١٥ مليون نسمة جاءوا من السودان وسوريا وليبيا واليمن وعدد من الدول الإفريقية المختلفة، من بينها جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا. أصبح عدد المقيمين في مصر ١٢٠ مليون نسمة تقريبًا. وهكذا باتت العلاقة بين الجغرافيا والديموغرافيا المصرية مختلّة اختلالًا كبيرًا، وقد أصبح مجموع المقيمين على أرض مصر ١٢٠ مليون نسمة.

ومن عجب بعد ذلك أن يتعجب جماعات من المصريين، من بينهم مرشحون للرئاسة، من عملية امتداد «الطرق والكبارى»، التي تذهب إلى الصحراء التي هي «دون جدوى». وقال أحدهم إنه كان سيأخذ كل الأموال التي أُنفقت عليها وينفقها في تصنيع مصر، رغم أن ذلك كان يُدخله في تناقض مع حقيقة انتقاده الشديد القروض التي حصلت عليها الدولة من مصادر شتى، حيث كان الإنفاق منها على التصنيع سوف يضعنا في ذات المأزق.

الحجة هنا أن الصناعة كانت سوف توفر عائد السداد من إنتاجها وتصديرها، وذلك يبدو منطقيًّا، ولكن التجربة المصرية تشهد على أن معوقات التصنيع في مصر كانت دومًا متعددة تبدأ من جذب المستثمر، وتكلفة المصانع، ثم تدخل في عملية نقل البضائع من المصنع إلى العالم الخارجى، وذلك له تكلفته هو الآخر. مدينة السادس من أكتوبر على سبيل المثال بدأت كمدينة صناعية سكانية ابتداء من السبعينيات.

ولكنها لم تبدأ في العمران الحقيقى حتى جرى إنشاء المحور والطريق الدائرى مع مطلع الألفية. حتى ذلك الوقت كانت المدينة ساكنة بالأشباح، وانطبق ذلك على العديد من المدن الصناعية الأخرى مثل مدن السادات والخامس عشر من مايو وحتى العاشر من رمضان التي لم تنتعش حقًّا إلا خلال العقد الأخير عندما بُنيت شبكة الطرق حولها. المثال الجديد على عدم التناقض بين «الطرق والكبارى» و«الصناعة» يظهر بقوة مع تنمية محور قناة السويس، الذي بدأ بإنشاء تفريعة قناة السويس، التي رفعت القيمة التنافسية للقناة أمام المشروعات الإقليمية الأخرى، ورفعت دخلها من ٥ مليارات دولار إلى ٩.٤ مليار.

ومن القناة بدأت تنمية المحور بإضافة ثلاثة موانئ جديدة، وشبكة طرق واسعة تتضمن حفر ستة أنفاق لمحاور تربط وادى النيل بسيناء. وحتى قبل عامين عندما زرتها كان بها ٤٤ مصنعًا تتضمن استثمارات صينية وروسية ودنماركية؛ وبها مصانع مصرية أخرى عديدة، ولولاها لاستحال إنشاء ١٧ منطقة صناعية جديدة في مصر تضع نواة قاعدة صناعية جديدة لمصر.

إذا كنا نريد للتجربة الانتخابية الرئاسية المقبلة أن تنجح وتضع أساسًا لعملية انتقال السلطة السياسية في المستقبل، فلابد أن نُرسى تقاليد لذلك، ومنها الجدية الكاملة في التعرف على أحوال الوطن لحظة التصويت، وهذه تُقاس ليس فقط بالحالة اللحظية، وإنما مقارنة بما سبق، وبما سوف يُرسى لأجيال مصر في المستقبل. خلق التناقض بين الطرق والكبارى والمواصلات والاتصالات والصناعة والزراعة والخدمات والتعليم والصحة لا يجوز إلا إذا عرفنا الحالة الراهنة لها، وما كانت عليه.

وما سوف تذهب إليه. مقولة غياب المعلومات ليست صحيحة، فهى متاحة من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ومركز المعلومات ودعم القرار، والمنظمات الدولية مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وغيرهما من مراكز البحوث. ويكفى المرشح الجاد وقتها شرفًا أن لديه من الخطط والنباهة ما يضاعف ما كان، أو جعل إقامة المشروعات أكثر سرعة، أو الإنتاج بتكنولوجيا مختلفة. باختصار.

بقدرة المرشح النجيب حسم السباق بين الديموغرافيا والجغرافيا المصرية، فلا يتجاهلها أو ينسى ٢٠ مليون مصرى أُضيفوا خلال السنوات العشر الماضية، وحسم السباق بين مصر ودول العالم القريبة والبعيدة، التي حالها مثل حالنا في لحظة زمنية بعينها، وهى الآن. الانتخابات ينبغى لها أن تكون جزءًا من عملية بناء المشروع الوطنى المصرى، وفى هذا فليتنافس المتنافسون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجغرافيا والديموغرافيا والانتخابات الجغرافيا والديموغرافيا والانتخابات



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib