إشكاليات زيلينسكي في واشنطن

إشكاليات زيلينسكي في واشنطن!

المغرب اليوم -

إشكاليات زيلينسكي في واشنطن

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

وصلت إلى واشنطن بعد منتصف الليل للمشاركة في اجتماع روتينى لمجلس إدارة معهد دول الخليج العربية في واشنطن، وانتهاز المناسبة لمعرفة أكثر عما يجرى في الشرق الأوسط في العيون الأمريكية، حيث رمت الولايات المتحدة بكثير من أثقالها إلى الكفة الإسرائيلية في الصراع المرير الجارى في غزة. فاتنى ما قرأته قبل أيام عن نية الرئيس «فلاديمير زيلينسكى» زيارة أمريكا، فإذا بى في الصباح أجد الرجل في كل الصحف ونشرات الأخبار حيث فجر وجوده كافة الإشكاليات الأمريكية الكبرى حيث تتناقض السياسة الداخلية بشدة مع السياسات الخارجية لما بات مأزقًا أمريكيًا يقول لنا الكثير ربما عن مستقبل أمريكا وربما العالم، فالذين راقبوا المشهد لم يفتهم كيف ستكون ظلال رجل مزقت بلاده الحرب على موقع كل من روسيا والصين من النظام الدولى.

أولى الحقائق قبل الزيارة، وكان أكثرها طزاجة أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد أصبحت على الأبواب، أو على الأقل هذا ما يقول به مقدمو البرامج حيث باتت هناك أسابيع قليلة باقية على بداية الانتخابات التمهيدية. وبالطبع فإن المعلوم هو أنه لا توجد انتخابات داخل الحزب الديمقراطى تقريبًا وأن مرشح الحزب الرئيس «جوزيف بايدن» ليس له منافس مهما كانت أحاديث السن وما يحدثه العمر الطويل من نتائج فيزيقية على الرجل. كذلك فإنه عمليا لن تكون هناك انتخابات جمهورية حقيقية فقد امتطى «دونالد ترامب» مطية الحزب الجمهورى مهما كانت هناك حالة التعجب الشديد داخل المؤسسة الشرقية الأمريكية من ترشيح شخصية وقعت عليها تهم جنائية سوف تضعه أمام المحاكم لسنوات قادمة. هنا تحديدا توجد أولى الإشكاليات الأمريكية الكبرى وهى أن جميع استطلاعات الرأى العام تشير إلى أن ترامب سوف يكون هو الفائز على بايدن إذا ما عقدت الانتخابات اليوم. معنى ذلك أن الرئيس الحالى بايدن لم يعد لديه ترف ضياع أي نقطة انتخابية، وأن عليه من ثم السعى الكبير لكى يكون مظهره قويا من خلال سياسات خارجية تركز على قوة الولايات المتحدة وقيادتها للنظام الدولى سواء كان ذلك في أوروبا حيث توجد الحرب الروسية الأوكرانية، أو الشرق الأوسط حيث حرب غزة الخامسة. في الحالتين تأييد الجماعة الانتخابية اليهودية هام وضرورى لسياسات بايدن الخارجية خاصة بعد كل ما قدمه لإسرائيل من تأييد. ترامب هو الآخر يرى أن مثل هذا التأييد له فريضة وقد كان الرجل صاحب «صفقة القرن»، التي أعطت إسرائيل القدس وهضبة الجولان؛ ولذا فإنه وأنصاره في الكونجرس لن يفرطوا في دفع الأموال الخاصة باندفاع المهاجرين واللاجئين إلى الأراضى الأمريكية، خاصة القادمين من المكسيك.

هنا نصل إلى الإشكالية الثانية، فالتقاليد التشريعية الأمريكية تقضى بأمرين: أولهما أن السلطة التنفيذية لا تستطيع إنفاقًا ما لم يقبل به الكونجرس بمجلسيه وهذا بنص الدستور؛ وثانيهما أنه يمكن تمويل أمرين أو ثلاثة في قرار تشريعى واحد. هنا فإن الإشكاليات تضع تمويل الحرب في أوكرانيا من خلال مساعدات أمريكية تتجاوز ٦٤ مليار دولار؛ وتمويل حرب غزة على الجانب الإسرائيلى يتطلب ١٤ مليار دولار؛ وتمويل إجراءات مقاومة الهجرة التي بلغت ستة ملايين من أول العام ببضعة مليارات هي الأخرى بات ضرورة جمهورية لازمة للفوز في الانتخابات القادمة. النتيجة باتت أن التشريعات الثلاثة أصبحت معلقة، وعندما وصل السيد زيلينسكى إلى واشنطن كان لأن مجلس الشيوخ ظل معلقا لتشريع تمويل أوكرانيا الذي بدونه فإن «بوتين» يكسب الحرب التي ظن الجميع أنه خسرها، وهو ما يترتب عليه حرب في القارة الأوروبية تذهب فيها أمريكا إلى أوروبا كما فعلت خلال حربين عالميتين، أو هكذا قال الديمقراطيون. أما الجمهوريون فإنهم يرون الخطر الأول على أمريكا هو الهجرة، وإذا لم يكن لذلك أولوية في التمويل، فإنه على أوروبا أن تدفع هي الثمن وليس الولايات المتحدة.
الإشكالية الأولى والثانية تتصادمان مع إشكالية الحرب الأوكرانية ثم إشكالية حرب غزة، فكلتاهما من التعقيد والتكلفة ما يجعل النقاش والحوار حولهما ساخنا وحادا. وللأسف الأمريكى فإنه لا يوجد في التاريخ ما يسمح بتأجيل الحروب حتى تنعقد الانتخابات الأمريكية. وطالما أن لا أحد يعرف متى سوف تنتهى هذه الحرب أو تلك فإن الانتخابات الأمريكية سوف تكون أكثر إثارة؛ وعلى الأرجح فإن الضحية الكبرى سوف تكون أوكرانيا. وهذه المرة فإن الاستقبال للرئيس زيلينسكى لم يكن استقبالا لبطل، أو لتشرشل الآخر، الذي صمد وانتقل من الدفاع إلى الهجوم؛ إنما بات استقبال ضيف أتى يطلب المعونة من عائلة يوشك أهلها على مواجهة حالة من الطلاق. الولايات المتحدة التي عاشت عقودا طويلة تتخيل أولا أن السياسات الداخلية تتوقف عند حافة مياه المحيط الأطلنطى في الشرق والمحيط الهادى في الغرب حيث السياسات متوافقة مؤسسيا بين الجمهوريين والديمقراطيين. ولكن الثابت الآن أنه لم يعد هناك توافق على الأقل تجاه الحرب في أوكرانيا حيث باتت هناك قلة من الجمهوريين من يرون الحرب ضرورية، وأنها باتت مكلفة، وأن الأوروبيين لا يدفعون ما يكفى للدفاع عن أنفسهم. التوافق حول دعم إسرائيل قائم، ولكنه لا يخل من مرارة الاعتقاد بأن اليهود دائما ما يصوتون لصالح الحزب الديمقراطى.

كل هذه الإشكاليات بات عليه مواجهتها في واشنطن، وفوقها نوعان من الشك الأمريكى: أولهما أنه لم يعد أحد واثقا بعد قرابة سنتين من الحرب التي مولتها أمريكا بمليارات الدولارات تسليحا وتأييدا أن أوكرانيا سوف تكسب الحرب؛ خاصة بعد أن وصل «الهجوم المضاد» الذي شنه مع مطلع الصيف إلى طريق مسدود، لم يعد الرئيس الأوكرانى كما كان بطل الدفاع عن «كييف»، واستعادة «خاركيف» وتحرير «خيرسون» وحتى الصمود في «باخموت»، والرجل الذي حبس الأسطول الروسى في البحر الأسود. أصبح الضيف ثقيلا، وحربه في مواجهة دولة عظمى ليست مثل مواجهة إسرائيل جماعة «حماس» الإرهابية؛ وما حصل عليه من قبل كان كافيا، وأن استهلاك المعونات الأمريكية لا يخلو من فساد. وفى كل الأحوال فإن المعونات لأوكرانيا لا يجب فيها أن تقف في وجه المعونات لإسرائيل ولو أن ذلك هو الآخر يضغط على إشكالية إضافية وهى أن الجمهور الديمقراطى قد بات منقسما هو الآخر ما بين التقدميين الذين يرون إسرائيل قد خرجت على التقاليد «الديمقراطية الإنسانية»؛ وهؤلاء الذين يرون إسرائيل جزءا من الولايات المتحدة لا يجوز ولا يجب التفريط فيه وهو ما لا يعترض عليه الجمهوريون طالما أنه لن يخل بالدفاع عن حدود الولايات المتحدة ضد الغزو الخارجى.

حلقة الإشكاليات هكذا تكتمل ومن يكسب فيها في النهاية هو ترامب داخليا، والصين وروسيا خارجيا؛ الأول لأن كل أشكال الشلل في السياسة الخارجية الأمريكية هو لصالح الفارس الجمهورى الذي تزداد شعبيته مع كل حجم قضائى ضده؛ والثانى لأن موسكو وبكين تكسبان مع كل خسارة أمريكية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إشكاليات زيلينسكي في واشنطن إشكاليات زيلينسكي في واشنطن



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib