موسم الذهاب إلى القمر

موسم الذهاب إلى القمر

المغرب اليوم -

موسم الذهاب إلى القمر

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

لا ينبغى لأحد أن يتصور أن الحياة سوف تتوقف حتى تصل الحرب الأوكرانية إلى نهاية؛ أو حتى يتغير النظام العالمى بشكل أو آخر؛ أو تتوقف موجات التضخم التى ألَمّت بالعالم؛ أو حتى تحل القضية الفلسطينية. مهما كان العالم ممتلئًا بضجيج الأزمات الطبيعية والإنسانية، فإن هناك أمرًا واحدًا لا يتوقف عن التغيير والتطور والتقدم أيضًا، وهو السعى الدائم للإنسان من أجل استكشاف الكون ومعه الكثير من التكنولوجيات الجديدة. تعبير «غزو الفضاء» كان ذائعًا منذ زمن بعيد فى مخيلة السينما، وفى نهاية الخمسينيات من القرن الماضى خرج إنسان سوفيتى اسمه يورى جاجارين إلى خارج كوكب الأرض؛ وقبل نهاية الستينيات كان نيل أرمسترونج الأمريكى قد مشى على القمر. على مدى نصف القرن، عرفنا تدريجيًّا أن الكون ممتد إلى ما لا نستطيع تخيله، والمؤكد أنه سحيق فى الزمن إلى أكثر مما تدركه الملكات الإنسانية...

الأقمار باتت كويكبات صغيرة ملحقة بالكواكب، وتلك داخلة فى أجرام تدور حول نجوم، وهذه جميعها تعيش فى مجرات ومدارات، وسرعان ما نبهنا تليسكوب «جيمس ويب» إلى أن هناك بعد الكون- الذى بتنا نعرف الكثير عنه- أكوانًا أخرى. منذ البداية كانت الأسئلة كثيرة، هل يوجد إنسان فى مكان ما لا نعرفه، أو حتى توجد خلية عضوية معلقة فى لحظة ومدار آخر؛ وهل من الأفضل للبشر أن يركزوا جهودهم على سلامة كوكبهم، أو أن حل مشاكل الأرض ربما يأتى من السماء؟. أصبح السفر إلى «المريخ»، أحد كواكب المجموعة الشمسية، ممكنًا فى المدى الزمنى الذى يعرفه الإنسان، وما كان مهمًّا فى وقت ما هو أن يكون التعاون الدولى قائمًا، ووجدت جماعة السينما أن من الممكن تكوين «قومية» إنسانية من خلال العولمة، وأفلام كثيرة تشير إلى غزو قادم من خارج الأرض. ولكن العقبة الكبرى جاءت دومًا من التكلفة، وأنه لا يمكن ولوج الكون دون محطات دائمة، وبالفعل تعاونت ١٦ دولة على إنشاء محطة فضائية، تحملت واشنطن وموسكو القدر الأكبر من الإسهام فيها.

دائمًا كان هناك مَن يعتقد أن «القمر» يصلح لهذه المهمة، ولكن إهمال أمريكا وروسيا لغرامهما الأول بحثًا عن أسفار أبعد فى الفضاء السحيق جعل استثمار قمرنا مؤجلًا لأنه على أى حال لم يكن هناك حل للمعضلات الأساسية لبناء محطة دائمة تنطلق منها الرحلات إلى بقية الكون. أهم المعضلات كانت أن بناء المحطات سوف يحتاج أحمالًا ثقيلة، حيث لم يكن باستطاعة المركبات، حتى المكوكية منها، أن تقوم بالمهمة. خلال الأعوام الأخيرة، وعن طريق «القطاع الخاص»، بات ممكنًا تصور رحلات مستمرة للبشر من وإلى الكويكب القريب كخطوة لابد منها للانطلاق إلى ما هو أبعد. دخل «جيف بيزوس»، صاحب «أمازون»، إلى الصورة مع آخرين، إلا أن «إيلون ماسك» جاء بالصاروخ «سبيس إكس»، قليل التكلفة وسهل الاستخدام، لكى يؤسس لما كان مستحيلًا من قبل. الآن فإن وكالة «ناسا» الأمريكية تؤجر من الرجل بدلًا من إنتاجها للصواريخ بنفسها، وهى تخطط الآن لرحلتين إلى القمر خلال نوفمبر الجارى؛ وفى نفس الشهر فإن شركة «هاكيوتو» اليابانية سوف تطلق رحلتها الأولى من الولايات المتحدة، وعلى نفس الصاروخ حاملة مركبة، هى نتاج تعاون يابانى إماراتى، يمكنها السير على سطح القمر. ما هو معلوم أن هناك دولًا أخرى- مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل- تسعى فى نفس المسار سواء كان المآل هو الجانب المضىء أو الآخر المظلم من القمر.

ما يزعج فى الأمر أن البشر كما يبدو سوف يحملون مآسيهم على كوكب الأرض إلى الكواكب الأخرى. روسيا خرجت من الشراكة فى المحطة الفضائية الدائمة لكى تقيم محطة خاصة بها، بعد أن ضاقت بها الدنيا من السيطرة الأمريكية؛ أما الصين فقررت منذ البداية أن تكون محطتها ملكًا خاصًّا لها. ومع الدول فإن الشركات الخاصة بات ممكنًا لديها أن تبنى محطاتها الخاصة، وقبل عام، فإن «أمازون» أعلنت أنها سوف تُقيم محطتها الدائمة على سطح القمر قبل نهاية عام ٢٠٢٤. الأمر فيه الكثير من الأعمال المُحقِّقة للربح؛ ومن قبل، فإن «الأقمار الصناعية» التى تتابع الطقس، والأخرى الضرورية للاتصالات، والثالثة التى تتبع حركة الإنسان ومركباته على الأرض حققت أرباحًا طائلة. وعندما تنتهى شبكة أقمار السيد «ماسك» لكى يُقيم «واى فاى» كونيًّا، فإنه سوف يجلس على عرش أغنى الأغنياء لفترة طويلة. ولكن ما لا يعلمه أحد هو نتاج المحطات الفضائية الأمريكية والروسية والصينية؛ والتساؤل عما إذا كانت نتائجها نقل الصراع على الأرض إلى أجواز الفضاء!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسم الذهاب إلى القمر موسم الذهاب إلى القمر



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib