رحلة المرشحين في وادي مصر

رحلة المرشحين في وادي مصر!

المغرب اليوم -

رحلة المرشحين في وادي مصر

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

وجودى في الولايات المتحدة أثناء هذه الفترة من تاريخ مصر أعطانى وقتًا غير قليل للمشاهدة والاستماع والتأمل. فاجأنى أحد المرشحين المبكرين بقوله- في حديث مع موقع إلكترونى، ردًّا على سؤال يخص قناة السويس، بعد ضم القناة الجديدة إلى القناة القديمة، وفى لمحة استنكارية واضحة- إنه لن يقبل ذلك من قناة السويس في كونها لا تزال ممرًّا مائيًّا تُدفع فيه رسوم المرور فقط لا غير؛ وفى إدارته فإنه سيجعلها منطقة تنموية ولوجستية تأتى بالكثير من الموارد. كان القول مدهشًا، وقد استمعت إليه قبل ذلك عام ١٩٩٦ عندما اتصل بى السفير القدير رؤوف سعد لكى يخبرنى بتكوين مجموعة داخل وزارة الخارجية المصرية للنظر في تنافسية مصر، وقد وجدت المجموعة أن قناة السويس تقع في مقدمة المشروعات التي توفر الكثير لهذه التنافسية إذا ما تحولت من حالتها كمجرد ممر مائى يأخذ رسومًا على مرور السفن إلى منطقة تنموية لوجستية. كان الطلب هو كتابة المقدمة لكتاب جرى إعداده للعرض في مؤتمر الشرق الأوسط الاقتصادى الذي كان سيُعقد وقتها. مضى عقد من الزمان على هذا الحديث، وإذا بصديقى د. حسام بدراوى يتصل بى، وقد أنشأ جمعية لتنافسية مصر، وهذه استخدمت بيت خبرة بريطانيًّا للنظر في الأمر، فإذا بها تقرر أن قناة السويس تقع في قلب هذه الفكرة، التي لا تجعلها مجرد ممر مائى وإنما منطقة صناعية ولوجستية. بالطبع أخبرته بالتجربة السابقة، وفيما علمت فإنه اتصل بالسفير، ولكن بعدها لم يحدث شىء. مضت سنوات بعد ذلك حتى جاء الوقت الذي ترشح فيه المشير عبدالفتاح السيسى للرئاسة، معلنًا أنه لن يسمح للمصريين بنوم الليل لأن هناك الكثير الواجب فعله من أجل مجد مصر ورفعتها. ولم تمضِ شهور على توليه إدارة مصر حتى طرح مشروع قناة السويس الجديدة بإضافة ممر جديد إليها وتعميق القناة القديمة. جرى العمل بالفعل طوال الليل والنهار من خلال تقليد جديد، وهو أن يكون العمل ثلاث ورديات كاملة، فانتهى المشروع في عام واحد. وقبل عام، وبدعوة كريمة من الهيئة المشرفة على تنمية محور قناة السويس، إذا بى أشاهد إقليمًا جديدًا كان فيه وقتها ٤٤ مصنعًا كاملًا تعمل وتصدر مع عدد آخر تحت الإنشاء، وثلاثة موانئ، وبداية إنشاء المناطق اللوجستية، التي فيما تابعت انتهى بعضها الآن.

وكما يُقال إن في السفر سبع فوائد، فإنه في الانتخابات ربما يكون هناك أكثر من ذلك، فهى ليست فقط من أجل اختيار رئيس للدولة، وهو مهمة عظيمة، وإنما تُضاف إلى ذلك زيادة المعرفة بالوطن وما يحدث فيه فعلًا، وكيف للتيارات السياسية المختلفة أن تطرح نفسها على الجماهير بالأفكار والمشروعات المدروسة، والقضايا التي ينبغى حلها وأخذ مصر كلها إلى الأمام من خلالها. وما هو واضح، فإن المرشح المشار إليه أعلاه، ومع كل التقدير، لا يعرف فعلًا وصدقًا ما الذي جرى في إقليم قناة السويس خلال السنوات العشر السابقة وجعل دخل القناة يرتفع من خمسة مليارات دولار إلى ٩.٤ مليار دولار خلال العام الحالى. بالطبع، فإن الأمر كان يمكن معرفته من خلال وسائل إلكترونية، فمن خلال «جوجل إيرث»، الذي يصور كل ما يحدث على ظهر الكرة الأرضية، ومن بينها مصر، يمكن رؤية التطور الذي حدث في الإقليم، وأكثر من ذلك في تلك المساحة الهائلة من فرع نيل دمياط إلى قناة السويس. ومادام المرشح الموقر ينظر في مصر، فإنه قد يجد من الوقت ما ينظر به إلى ما يحدث غرب نيل رشيد أيضًا، حيث تجرى الوقائع الخضراء للدلتا الجديدة وامتداد قناة توشكى بآثارها شمالًا حتى هذه المنطقة.

واقعة المرشح الموقر هذه ترفع قضية مهمة للمعرفة بما يجرى في مصر فعلًا، وربما لا تكون «المعركة» الانتخابية فرصة للعراك بين المرشحين، وإنما للمعرفة بما هو قائم أولًا وجرى إنجازه؛ ثم بعدها يكون الباب مفتوحًا للحديث ربما عن حسن استخدامه، أو انتهاز فرصه، أو تطويره، بالإضافة إلى قيمته أو التعلم من دروسه. وثانيًا: مادام أنه لا أحد يطرح فكرة «تصفير العداد»، أي عودته إلى نقطة البداية الأولى، فإن ما هو قائم يعتبر نقطة البداية لرؤية مصرية جديدة أو الاستمرار برؤية ٢٠٣٠ إلى ٢٠٤٠. لا يمنع ما حدث أبدًا من الاجتهاد، فما ثبت واضحًا من خلال «حكاية مصر»، التي رواها بروح وطنية أخاذة الرئيس السيسى وأعضاء حكومته، أن كثيرًا من الأفكار جرى ترديدها، وربما دراستها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضى، ولكن تحويلها من فكرة، أو حلم، أو دراسة إلى واقع؛ جرى خلال السنوات التسع الماضية. وكان كل ذلك كثيرًا في الانتقال من النهر إلى البحر بالامتداد العمرانى والإنتاجى، وعبور القناة من فوقها وتحتها إلى سيناء لتعميرها بعد وقف الإرهاب فيها. وعلى سبيل المثال فإن المرشح الموقر المشار إليه يكرر كثيرًا أن مشروعه التنموى الذي يقف على أبواب المقارنة مع المشروع التنموى الحالى القائم على «الطرق والكبارى»، يقوم على الصناعة وتحويل مصر إلى دولة صناعية متقدمة. هذه فكرة بَنّاءة، ولكن تطبيقها سوف يكون ناقصًا كثيرًا ما لم تكن هناك معرفة كاملة بالقاعدة الصناعية التي جرى بناؤها وتطوير ما سبق منها خلال السنوات التسع الماضية، مضافًا إليها مسارات كثيرة للانتقال من الداخل المصرى للتصدير إلى دول العالم الأخرى. وما لا يقل أهمية بناء الجامعات والمدارس التكنولوجية التي تصب المهارات إلى قلب الصناعة في المدن التقليدية مثل المحلة الكبرى، أو في مدن صناعية جديدة مثل «طربول»، أو في المناطق الـ17 الصناعية المجهزة الجديدة في 17 محافظة.

الحديث في كل ما سبق سوف يطول عما هو مقرر لهذا المقال من مساحة؛ ولذلك فإن المرحلة الماضية من بداية الحملات الانتخابية، ومع الترحيب بالتعددية الانتخابية والدور الذي تقوم به الهيئة العليا للانتخابات من انتظام دستورى وقانونى؛ فإن طلب رفع الوعى بين المرشحين حول ما هو واقع في مصر من خلال جولة كبيرة لجميع المرشحين المعتمدين خلال يومين سوف يرفع كثيرًا من مستوى العملية الانتخابية. ولا يوجد هناك بأس من مد هؤلاء بمطبوعات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ومجلس المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء، لعل ذلك يضيف إلى الانضباط الانتخابى ورفع مستواه من تبنى شعارات ادعاءات الإخوان الخاصة بـ«فقه الأولويات» ورفض تنمية «الطرق والكبارى» والارتماء في «الصحراء»؛ بمشروعات مكلفة كان يمكن الاستغناء عنها، وإذا حدثت فإنها تكون بربع التكلفة. أعلم أن مثل هذا لا يوجد في تقاليد الانتخابات في بلدان العالم الأخرى، ولكن ظروف مصر مختلفة، ومستويات النضج متنوعة، وربما تكون الانتخابات الحالية أولى الخطوات على طريق طويل تكون المعرفة فيه بما جرى فيها الكثير من اليقين

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحلة المرشحين في وادي مصر رحلة المرشحين في وادي مصر



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib