الطريق إلى حرب غزة الخامسة

الطريق إلى حرب غزة الخامسة

المغرب اليوم -

الطريق إلى حرب غزة الخامسة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

 

كانت المفاجأة الاستراتيجية التي وقعت على إسرائيل في ٧ أكتوبر المنصرم ناجمة عن الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها إسرائيل قبيل المفاجأة الاستراتيجية المصرية في 6 أكتوبر 1973.

دراسات المفاجآت الاستراتيجية في العالم كانت في معظمها ناجمة عن أمرين: أمر يخص تعريف حالة الطرف الآخر وتوازن القوى معه؛ وأمر يتعلق بمدى نجاح الاستراتيجية التي قام بها الطرف الذي جرت مفاجأته. وفى الحالتين كانت إسرائيل تضع الطرف العربى في موقع الدونية ليس فقط في السلاح، وإنما نتيجة التنظيم السياسى والاجتماعى ومستويات التعليم والخبرة التاريخية ذات الهزائم التي يستحيل تجاوزها. وعلى العكس، ساد الاعتقاد الإسرائيلى في التفوق النابع من التنظيم والعلم لدى المجتمع والدولة الصهيونية على ترويض الطرف العربى وجذب العالم الغربى إلى ناحيتها. تجربة إسرائيل مع الفلسطينيين سجلت الكثير من الفرقة داخل النخبة السياسية المنقسمة انقسامًا حادًّا وغير القادرة على تجاوز هذه الانقسامات بأساليب ديمقراطية أو غير ديمقراطية.

وسواء كان الفلسطينيون في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، فإن الصورة الإسرائيلية عن الفلسطينيين كانت تتسم بانعدام الكفاءة والقدرة على تجاوز الانشطار الجغرافى والتمايز الاجتماعى بين الضفة، الأعلى قدرًا ودخلًا وتقدمًا، والقطاع، الأشد فقرًا وتخلفًا والأقل تعليمًا. ركزت إسرائيل كثيرًا على تعميق الانقسام بين الضفة والقطاع، حيث شجعت حماس على الاستقلال عن السلطة الوطنية الفلسطينية. كانت الاستراتيجية الإسرائيلية هي دفع حماس في هذا الاتجاه من خلال التمويل، حيث كانت إسرائيل مستعدة لكى تكون طريقًا تمر منه الأموال؛ ومضافًا إليها تقديم التسهيلات الخاصة بالمياه العذبة والكهرباء وصيد السمك في البحر المتوسط؛ ومؤخرًا تشجيع الألوف من فلسطينيى غزة على العمل في إسرائيل لكى يولدوا دخلًا إلى غزة كما يفعل أقرانهم في الضفة الغربية.

ما لم تكن تدركه إسرائيل أنها مُعرَّضة للانقسام، الذي يدفع في اتجاه الانقسام الدينى التوراتى من ناحية والعلمانية السياسية من ناحية أخرى. هذا الانقسام وصل إلى مرحلة انشطار سياسى، لم تحله الانتخابات العامة، التي تتعامل مع ذلك من خلال قاعدة الأغلبية والأقلية، وإنما تحول إلى خروج الجماهير الإسرائيلية، كما خرجت في كل أشكال «الربيع العربى»، وتعدى المتظاهرون في البداية 600 ألف؛ ولم يمضِ شهران إلا وباتت المظاهرات منتظمة أسبوعيًّا، في حضور ٢٥٠ ألف إسرائيلى ضد الحكومة الإسرائيلية. وكان معنى ذلك أولًا أن الجمهور الإسرائيلى لم يجد وسيلة «ديمقراطية» للتعبير عن رفضه لسعى حكومة نتنياهو من أجل إخضاع المحكمة العليا إلى سلطة «الكنيست» سوى الخروج إلى الشارع. وثانيًا أن الحكومة سعت إلى ذلك من أجل إحداث خلل جسيم في التوازن بين السلطة التنفيذية، المالكة للأغلبية البرلمانية، والسلطة القضائية، ومن ثَمَّ منع اللجوء إلى سلطة عليا في حالة تجاوز القوانين الأساسية للبلاد. وثالثًا أن أصل المسألة هي أن إسرائيل دولة بلا دستور، وإنما لديها نوع أساسى من القوانين عند إنشاء الدولة، قام على توافق مؤقت على علمانية الدولة، وهو ما تريد الجماعة الدينية في الحكومة أن تغيره بالانتقال من التشريع البشرى إلى «الشريعة» اليهودية. ورابعًا أنه في مطلع الدولة الإسرائيلية، سمحت القيادة الإسرائيلية لـ«بن جوريون» بمزايا خاصة لجماعات دينية (الحريديم) اعتقادًا منها أنها قليلة العدد وغير مؤثرة في المجموع العام. هذه الجماعات، بعد ثلاثة أرباع قرن من مولد الدولة، ومع تصاعد زيادتها السكانية، باتت مؤثرة في العمليات الانتخابية والاستيطانية.

كل ذلك دفع في اتجاه التطرف، الذي جعل إسرائيل عمياء عن التطورات الجارية داخل المجتمع الفلسطينى، سواء كان ذلك نتيجة التعليم أو العمل في الغرب والحصول على جنسيات مزدوجة، أو حتى التعلم داخل السجون الإسرائيلية، حيث تعلم «يحيى السنوار» الكثير عن المجتمع الإسرائيلى واللغة العبرية، التي فتحت له أبواب هضم التجربة الإسرائيلية. التطورات التكنولوجية الرقمية صبغت الأجيال الشابة الفلسطينية بقدرات جديدة في التسليح والممارسة والمعرفة بالثقافات الأخرى، بما فيها الثقافة الغربية التي ظنتها إسرائيل احتكارًا خالصًا. والحقيقة أن المفاجأة الاستراتيجية لحماس لم تشمل فقط الجانب العسكرى من الأزمة، وإنما- وهى المصنفة تنظيمًا إرهابيًّا- نجحت في جذب تأييد عالمى بين صفوف الأجيال الشابة في العالم الغربى. ما لم تعرفه إسرائيل أيضًا هو عمق العلاقات بين حماس وإيران، التي وضعتها في مصفوفة «مقاومة» و«ممانعة» تجمعها مع توابع إيران في العراق (الحشد الشعبى) وسوريا (الحرس الثورى الإيرانى) ولبنان (حزب الله) واليمن (الحوثيون)، وهذه كفلت لها جسورًا لأنواع متطورة من السلاح والتدريب عليها، ومعها قدرات متطورة لتهريبها وتجميعها في أنفاق غزة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق إلى حرب غزة الخامسة الطريق إلى حرب غزة الخامسة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib