شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٥

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٥)

المغرب اليوم -

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٥

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

انتهت حرب أكتوبر باستعادة الكرامة المصرية والعربية، وبزغت الدول العربية النفطية وتنظيماتها الإقليمية (أوابك) والدولية (أوبك) كقوة دولية بما تنتجه، وما باتت تحصل عليه من أموال بعد أن ارتفع سعر النفط ثلاث مرات مما كان عليه قبل الحرب. فى المقابل بدأت عملية انكماش الإمبراطورية الإسرائيلية التى قامت مع حرب يونيو ١٩٦٧ من خلال اتفاقيات الفصل بين القوات التى جرى اثنتان منها على الجبهة المصرية وواحدة على الجبهة السورية. «القضية الفلسطينية» حازت على تقدم غير مسبوق عندما باتت منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى، وذهب ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة لكى يلقى خطاب منظمته التى حازت على وضع المراقب فى المنظمة الدولية.

الصورة هكذا كانت مبشرة بمستقبل أثر ازدهارا لمصر والمنطقة، لكن من داخلها بزغ خليط من القوى المعارضة التى رأت أن كل ما سبق لم يكن فيه ما ينفع أو يحقق أهدافا قومية. حرب أكتوبر نفسها باتت حرب «تحريك وليس تحرير»، كان التصور المعروض أن حروبا تفتح الباب لعملية سلمية لتحرير الأراضى المحتلة غير ممكن دون تحرير جميع الأراضى بما فيها الأراضى الفلسطينية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط. شكلت سوريا التى انتهت الحرب وهى فاقدة لكل الأراضى التى تحررت فى أول يومين من قتال أكتوبر وفوقها أراض جديدة تقرب إسرائيل من دمشق أكثر مما كانت عليه، ورفضت حضور مؤتمر جنيف الذى كان مقدمة لجهد دولى. أصبحت كل خطوة من خطوات الانسحاب الإسرائيلى ليس مصدرا للسعادة، وإنما للتأكيد على أنها الحدود الجديدة للدولة الإسرائيلية.

لم يكن متصورا أبدا لدى قطاع من اليسار (الناصريون والماركسيون) واليمين (الإخوان المسلمون وتابعوهم) أن يكون الفتح العسكرى لحرب أكتوبر فاتحا لعملية سياسية لاسترداد الأرض المحتلة، وكان الضحية فى ذلك هو الرئيس أنور السادات. من الناحية الشخصية كانت تجربة الحرب والتجنيد مختلفة عن تلك الفترة التى كان الظن فيها أدوارا سحرية للمظاهرات والهتافات والأشعار السحرية والخُطب الملتهبة يمكنها أن تحرر الأرض وتقيم الدولة الفلسطينية. كان الثمن المدفوع هائلا من البشر ومن خسائر تجميد مصر على مدى ست سنوات من الاستعداد والبقاء فى ظروف صعبة، وبعد حرب مجيدة انقلب الحال فى الإقليم الذى نعيش فيه بين الأغنياء والفقراء، بينما كان السؤال الذائع فى مصر هو عن العائد الذى أتى للمواطن. المدهش أن ذلك هو السؤال الذى طرح بعد نصف قرن تقريبا عندما جرت الطفرة فى المشروعات القومية عندما بات التساؤل عن القدر الذى دخل الجيب الشخصى من هذه المشروعات. كان هناك ثمة خطأ فى طريقة التفكير اليسارى والليبرالى حول التعامل مع القضية الوطنية فى أبعادها الداخلية والخارجية. وكان الثمن المدفوع هو إطلالة اليمين الدينى على الساحة السياسية عندما أطلق الرئيس السادات عنانه لكى يواجه اليسار الذى لا يكف عن المطالبة برأسه فكانت الطامة من اليمين سلاسل من العنف والاغتيالاتوبينما هذه الحيرة الشخصية والعامة سائدة وجدت نفسى خارج مصر مرتين: مرة إلى هولندا فى مطلع يناير ١٩٧٧ باحثا زائرا فى جامعة «تيلبيرج» لإعداد كتاب عن «الحوار العربى الأوروبى» الذى كان إحدى نتائج حرب أكتوبر، وفى نهاية سبتمبر ١٩٧٧ كنت فى الطريق إلى الولايات المتحدة للحصول على الماجستير والدكتوراه فى جامعة شمال الينوى. لكل من الرحلتين قصة مثيرة سوف يأتى وقت قصها فيما آمل، لكن الرحلة الأولى جعلتنى أولا أفتقد ثورة كبيرة جرت فى ١٨ و١٩ يناير هزت مصر هزة كبيرة، وثانيا لم يمض على وجودى فى الولايات المتحدة ستة أسابيع حتى كان الرئيس السادات فى طريقه إلى القدس من ١٩ إلى ٢١ نوفمبر. كنت غائبا بينما التاريخ يتحرك فى اتجاهات مثيرة، ثورة يناير الأولى كان عنوانها «الخبز» ولم يكن معلوما وقتها أن ثورة أخرى سوف تأتى فى القرن التالى تحت شعار «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». فى كلتا الثورتين لم يكن معلوما أن الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وكافة الشعارات النبيلة الأخرى لا يمكن أن تتيسر ما لم يكن هناك بناء إنتاجى واسع النطاق لأمة قضت ربع القرن السابق فى الهتاف والشعارات الكبرى، بينما العالم يسبقها فى كل الاتجاهات. من بعيد فى الولايات المتحدة بدت لدى الأمريكيين مفارقة كبرى بين مصر الحضارة التاريخية القديمة الشامخة، وأكثر من ذلك مشهدها بعد حرب أكتوبر رافعة الرأس، وواقعها الفقير الذى يمد اليد فى جميع الاتجاهات ويتركه أبناؤه للعمل خارج البلاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٥ شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٥



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 07:57 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هافانا ذات الجو الحارّ غارقة في التاريخ ونابضة بالحياة

GMT 06:44 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

هنيئا لنا برئيس حكومتنا الذي يُضحكنا..!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib