الإيذاء لا يعني المقاومة

الإيذاء لا يعني المقاومة

المغرب اليوم -

الإيذاء لا يعني المقاومة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

تجلَّى الأمر كما يلمع ضوء الشمس عندما ذكر لي المذيع المبجّل، والجنرال أحياناً، في قناة الجزيرة مباشر، 3 مارس (آذار) 2024، كلمة «الإيذاء» بوصفه مقاومةً للمحتل الإسرائيلي الذي في استمراره للبغي والاستيطان والاحتلال استحقَّ ذلك؛ لأن ذلك من حقوق الإنسان الطبيعية، كان هذا هو الوصف لما قام به تنظيم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) في هجومه على غلاف غزة، الذي مات فيه 1200 إسرائيلي، واختُطف 250 من الإسرائيليين والحاصلين على الجنسية المزدوجة من بلدان شتى.

ما حدث بعد ذلك من مجازر وعمليات القتل الجماعي في غزة والتي تعدّت 40 ألفاً، 70 في المائة منهم من النساء والأطفال، ووقت كتابة هذا المقال كان عدّاد القتل والجرح وأمراض الجوع والشلل دائراً في القطاع من شماله إلى جنوبه، لخَّص لي قولُ «المبجّل» مأزقَ السياسة والإعلام العربي ساعةَ حدوث حرب مع إسرائيل، حيث تكون الحرب من جانب إسرائيل توسّعاً واستيطاناً، وتدميراً للبنية الأساسية والمؤسسية للمجتمعات، بينما تكون «المقاومة» عملية «إيذاء» لإشفاء الغليل، وتقليل الحُرقة على المفقودين، والشعور بالرضا لما يلحق الطرف الآخر من ألم. هو نوع من الانتقام والثأر الذي كان يحدث في صعيد مصر، وجنوب إيطاليا، وكثير من بلدان العالم، حيث تكون العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم، وقد كانت إسرائيل هي البادية، ولكنها لم تأخذ لا عيناً ولا سِنّاً، وإنما بلداً بأكمله، ومصمِّمة على توسيع هذا البلد حتى يصير من النهر (الأردن) إلى البحر (الأبيض المتوسط).

على مدى مائة وعشرين عاماً قامت إسرائيل بإقامة دولة كاملة الأركان في قلب الشرق الأوسط، نصف قرن منها كان حتى قامت الدولة بعد قرار التقسيم، بينما الفلسطينيون رهن قيادتهم يخرجون في المظاهرات، ومِن آنٍ لآخر يرُدُّون الأذى بأذى مثله، وإذا بالإسرائيليين يتحوَّل أذاهم إلى تهجير وبناء دولة تستقبل اليهود المهاجرين، بينما الفلسطينيون ينتقلون من نكبة إلى أخرى، ولولا موقف مصر الحازم لكانت حرب غزة الخامسة انتهت بنكبة تُضاف للنكبات السابقة.

الحقيقة أن الأذى أمر، والمقاومة أمر آخر؛ الأول يكون له يوم واحد، 7 أكتوبر على سبيل المثال، ولكن اليوم لا يتلوه يوم آخر، فلم يوجد لدى «حماس» فكرة إلا الاستعداد لاستقبال الهجوم الاستراتيجي اعتباراً من «اليوم التالي» ناراً ولهيباً. الأذى أمر مؤقت، ولكن الاستراتيجية طويلة البال، متعدّدة الأوجه، صريحة الهدف، قوية العقيدة، شديدة المراس. خطوتها الأولى وحدة وطنية حديدُها يَفلّ الحديد، وكان ذلك ما حدث في حركات التحرُّر الوطني، مثل جبهة التحرير الجزائرية، وجبهة التحرير الفيتنامية، والجبهات المماثلة التي خاضت حروباً لتحرير شعوبها؛ في آيرلندا، وجنوب اليمن.

والحقيقة أن الغالبية الساحقة من دول العالم تحرّرت من خلال عمليات سياسية كانت الوحدةُ فيها نقطة بداية، ومشروعٍ وطنيّ للتقدم لا نهاية له في الأهداف الطموحة. الاستراتيجية تتحمّل استخدام الوسائل السلمية، وكان غاندي أبرز قادتها؛ والوسائل العسكرية وكان «هو شي منه» هو أعظم قادتها. وما بين هذا وذاك كانت الاستراتيجية تحتوي على الدبلوماسية والإعلام، واكتساب الحلفاء، والتضييق على الأعداء، والاستعداد للتنازل عندما يكون ذلك لازماً، واسترداد ما جرى التنازل عنه من قبل، أو استرداده دون جهد، نتيجة الزمن وتغيُّر الظروف.

حركة التحرّر الآيرلندية تنازلت عن شمال آيرلندا؛ لأن الغالبية كانوا من البروتستانت، وجمال عبد الناصر سمح للإنجليز بالعودة إلى قاعدة قناة السويس في ظل ظروف معينة، وانتهى ذلك مع الانتهاء من العدوان الثلاثي الذي تم بتوافق أميركي سوفياتي. أنور السادات قَبِل سيناء مقيّدة التسلح، ثم باتت مفتوحة التسلّح بتغيير البروتوكول العسكري نتيجة الحرب على الإرهاب.

الأذى يوجد فقط للحاجة النفسية، أما المقاومة فهي استراتيجية أولاً لطرد مستعمِر أو غازٍ أو طاغية، وثانياً وهو الأهم قيام الدولة المستقلة الواحدة لشعب بعينه، هي عملية صبورة لا تقطعها «حماس» بعد توقيع اتفاق «أوسلو» الذي أقام أول سلطة وطنية فلسطينية على الأرض الفلسطينية في التاريخ.

أهم خصائص الدولة في التاريخ الإنساني هي وحدة ومركزية السياسة مع السلاح؛ لأن القيادة السياسية وحدها هي التي تمتلك استراتيجية الحرب والسلام، واستخدام الدبلوماسية للتفاوض أو السياسة لبناء التحالفات أو الحرب، شاملةً كانت أو جزئية، دائمةً أو مرحلية؛ لأن عليها أن تَقِيس توازنات القوى بدقة بين طرفَي الصراع.

استراتيجية المقاومة تحافظ على شعبها، ولا تضحّي به بعد أول يوم، وعندما تخوض حرباً فإنها تَعُدُّ العُدّة، فتبني الملاجئ قبل الأنفاق. «حماس» بدأت «الأذى» بكسر الوحدة الوطنية الفلسطينية، والتحالف مع إسرائيل لإضعاف سلطة رام الله. المذيع المبجَّل كان «الإيذاء» يكفيه وزيادة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيذاء لا يعني المقاومة الإيذاء لا يعني المقاومة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib