عن أميركا وسيناريو «أحجار الدومينو»

عن أميركا وسيناريو «أحجار الدومينو»

المغرب اليوم -

عن أميركا وسيناريو «أحجار الدومينو»

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

هل تقترب الولايات المتحدة الأميركية من سيناريو «أحجار الدومينو»؟
قد يبدو التساؤل في أول المشهد غريباً أو عجيباً، لكن نظرة متأنية لمجريات الداخل الأميركي تقودنا للقطع بأن «أميركا ليست على ما يرام»، والتعبير لفرنسيس فوكوياما، رجل نهاية التاريخ الشهير.
صراعات سياسية، وأزمات مالية، وقلاقل مجتمعية، هذا هو حال الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما في الفترة الأخيرة.
كتب ونستون تشرشل ذات مرة يصف أوضاع الإمبراطورية البريطانية قبل أن تغرب عنها الشمس: «ظلَّت الجماهير غارقة في جهلها، وقادتهم الذين كانوا يسعون للحصول على أصواتهم لم يحاولوا حتى جعلهم يفتحون أعينهم على ضياع الإمبراطورية».
يكاد الحديث ينطبق على الداخل الأميركي، خصوصاً في ظل الأزمة الأخيرة المتعلقة بالرئيس السابق دونالد ترمب، والإصرار على محاكمته بشكل جنائي، في محاولة لا تخفى عن الأعين لإقصائه من السباق الانتخابي الرئاسي 2024، بعد أن أظهرت آخر استطلاعات الرأي تقدمه بفارق واسع عن أقرب منافسيه.
التصميم الغريب الذي تقوده أيادي الدولة الأميركية العميقة كفيل بإدخال البلاد في حالة من الصراعات الحزبية والسياسية، التي لن تنفك تقود إلى حرب أهلية.
هل نهوِّل من تبعات الأزمة الأحدث في عموم الاتحاد الفيدرالي؟
بدا واضحاً أن محاكمة ترمب من جرّاء قصة الوثائق السرية لن تفلح؛ إذ سيكون الرئيس بايدن بدوره في مرمى النيران، كما أن وضع ترمب أفضل، فعلى الأقل فإنه احتفظ بوثائق كان في مقدرته أن يرفع عنها طابع السرية، بحكم موقعه الرئاسي، أما بايدن فكان نائباً لأوباما لا يمتلك مثل هذه الصلاحيات.
استخرجت إذن قضية الممثلة ستورمي دانيالز من أضابير الحكايات الترمبية، بهدف وقف تقدمه مرة جديدة نحو البيت الأبيض؛ ما دفعه للتهديد باللجوء إلى أنصاره من الجماهير الغاضبة.
في مشهد ترمب الأخير، نلاحظ قلقاً كبيراً يلف الداخل الأميركي، ديمقراطيين وجمهوريين، وشرخاً يتعمق ليضحي عما قريب فالقاً، ولم يعد الأمر مجرد تنافس سياسي أو حزبي، بل محاولات دؤوبة للعزل والإقصاء بطرق ملتوية يُخشى معها على الأمن والسلم المجتمعيين.
قبل الموعد الذي كان مرتقباً لإعلان توجيه اتهام لترمب من عدمه، خرج على الأميركيين المبشّر فرانكلين غراهام، ابن واعظ البيت الأبيض السابق، بيلي غراهام، طالباً من عموم الأميركيين رفع الصلوات والدعوات، ومساندة الرئيس السابق ترمب، واستمطار مراحم السماء عليه.
هذا المسعى الذي لم يتوقف أمامه كثيرون بالتأمل، يحمل شرارة صراع سياسي، حكماً سيتحول، عند لحظة بعينها، إلى حرائق داخلية قاتلة، ففرانكلين يمثل صوت التيار الديني اليميني، المغرق في الولاء لترمب، ولجماعات المحافظين، قدامى أو محدثين.
بات الجمهوريون، وحتى منافسو ترمب، مثل ديسانتس، على قناعة تامة بأن الديمقراطيين يهدرون الأموال الفيدرالية في اتهامات مفرغة من قوة تغيير حقيقية لدولة مدينة ومأزومة إلى أبعد حد ومد، ومع الإصرار على الاتهام، تتعزز قناعات الملايين من الأميركيين بأن ملايين آخرين من الديمقراطيين يقودون البلاد والعباد في طريق التطرف اليساري، وهذا بدوره كفيل بإسقاط أول أحجار دومينو التوافق السياسي، الذي ينتفي فيه عنصر المنافسة الوطنية الشريفة التي تهدف للحفاظ على أميركا القدوة والنموذج، والمدينة فوق جبل.
الحجر الثاني ضمن الأحجار الأميركية المتزعزعة يتمثل في الاقتصاد الذي يعاني من حالة من حالات التضخم والركود، ربما من جراء مغامرات الولايات المتحدة الخارجية، وضريبة فرط الامتداد الإمبراطوري، ناهيك بأكلاف جائحة شائهة ودعم غير مفهوم لأوكرانيا في حربها مع روسيا؛ دعم وصل إلى حدود المائة مليار دولار المعلَن عنها، غير ما نجهل.
لم يتوقف (وغالباً لن يتوقف) الأمر عند هذا الحد من القلاقل الاقتصادية، وبنوع خاص بعد أزمة انهيار بنك «سيليكون فالي»، واحتمالات امتداد العدوى لغيره، والعهدة على وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.
وفقاً لأحدث نسخة من تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي»، المنشور في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي، يتوقع «صندوق النقد الدولي» أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة إلى 1.4 في المائة عام 2023، منخفضاً من 2 في المائة عام 2020.
رفع «الفيدرالي الأميركي» الفائدة بنحو ربع في المائة قبل بضعة أيام؛ فهل يفلح ذلك في مجابهة التضخم المتفشي في البلاد؟
المؤكد أن رفع الفائدة على الدولار يعني رفع الفائدة على الإقراض، وهذا يؤثر على نمو الشركات والمؤسسات الخاصة التي تعتمد على الاقتراض في التوسع.
تنقل «نيويورك تايمز» عن جاي رايسون، كبير الاقتصاديين في بنك «يولز فارغو» قوله: «ستكون هناك تداعيات اقتصادية حقيقية ودائمة، حتى لو أزيل الغبار».
ماذا عن أزمة سقف الدين الأميركي التي تمثل هولاً رابضاً خلف الأبواب الأميركية، ويكاد شبحه يجثم على الاقتصاد العالمي، وليس الأميركي فقط؟
لا تبدو في الأفق توافقات داخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين على زيادة المعدل المسموح به؛ ما يعني احتمالات حقيقية بحدوث انسداد في شرايين العمل الحكومي، وتبعات ذلك على القطاع الخاص، وتالياً إصابة العالم الخارجي إصابات تصعب مداواتها؛ ما يعني أزمة عالمية، وحتى لو تم رفع سقف الدين، فإن أميركا ستمضي في طريق العيش عبر ديون الآخرين، لتصل إلى وقوع الحجر الثاني من أحجارها في مدى زمني قريب.
الفوضى المجتمعية والخوف من الآخر والتحفّز للمجهول القادم ملامح ومعالم تلف الأميركيين، وليس أدل على ذلك من نتائج الاستطلاع الذي أجرته جامعة «مونماوث» الأميركية، في أواخر يوليو (تموز) الماضي، وأظهرت أن 9 من كل 10 أميركيين يرون أن بلادهم تسير في الطريق الخاطئ، وأكثر من ربع الأميركيين يشعرون بأنه من الضروري حمل السلاح ضد الحكومة، والكل يجمع على أن انتخابات الرئاسة (2024) ستكون حدثاً مفصلياً في سياقات الاتحاد الفيدرالي الأميركي، ليسقط الحجر الثالث.
كتب أندرو جروف مؤسس «شركة إنتل للبرمجيات»، إحدى أهم شركات التقنية الأميركية، يقول: «الأميركيون يعيشون حالة الإنكار، يربت بعضهم على ظهور بعض، بينما تتجه (التايتانيك) نحو جبل الجليد وبأقصى سرعتها».
هل هو سيناريو أحجار الدومينو الأميركي؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أميركا وسيناريو «أحجار الدومينو» عن أميركا وسيناريو «أحجار الدومينو»



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib