في مئويته كيسنجر والعرب

في مئويته.. كيسنجر والعرب

المغرب اليوم -

في مئويته كيسنجر والعرب

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

بعين واحدة، والثانية لا يكاد يرى بها، وبآذان ثقيلة، ربما لا يسمع بها، يدخل بطريرك السياسة الأميركية المعاصرة، هنري كيسنجر عامه المئة، في السابع والعشرين من مايو الجاري.

هل من اليسير أن يكتب المرء عن هذا الرجل الأسطوري، والذي لا يزال مرجعا للكثير من القادة حول العالم، ويدير مركزا للاستشارات السياسية، يتهافت عليه القاصي والداني، لما جمعه في جعبته من خبرات هائلة؟

مؤكد أن الحديث عن تلميذ بسمارك النجيب، أمر في حاجة إلى دراسات مستقلة قائمة بذاتها، غير أن بعض الزوايا التي تتعلق بعلاقته بالعالم العربي، ربما تستحق التوقف أمامها بالتأمل، واستخلاص العبر والدروس.

صباح السادس من أكتوبر من عام 1973، كان هنري كيسنجر يغط في نوم عميق، في الطابق السادس من فندق ولدورف أستوريا الشهير، حيث الجناح التقليدي لوزير الخارجية الأميركي، فقد كانت أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة قد انطلقت لتوها.

بسرعة البرق، وفي السادسة صباحا، دلف إلى غرفته مساعده، جوزيف سيسكو ، حاملا له تحذيرات جولدا مائير من أن مصر وسوريا، تعدان للحرب.

أيقظ كيسنجر بالفعل رئيسه نيكسون، لكن الوقت كان قد فات، وبدأت عجلة الحرب بسرعة.

في كتاباته لاحقا، قال كيسنجر، إنه لم يمنح الوقت الكافي لمعرفة الشرق الأوسط، ذلك أنه حين استقر في وزارة الخارجية، كان انخراطه بالكلية، في محادثات السلام في باريس لإنهاء حرب فيتنام، لدرجة أنه هو وآخرون غاب عنهم أهمية التحالف المصري السعودي وقتها، إذ جمعت الرئيس السادات والملك فيصل رحمهما الله، علاقة طيبة.

وجد كيسنجر نفسه مطلوبا للقيام بتحركات سريعة في الشرق الأوسط، فقد كان الخوف كل الخوف، من أن يمتد الصراع العربي الإسرائيلي إلى ما هو أبعد، ومن ثم تحدث مواجهة بين حلفي الناتو ووارسو، كان يمكن أن تقود إلى حرب عالمية.. لكن كيف يتوجه إلى الشرق الأوسط، وهو منبت الصلة بالعالم العربي؟

وجد كيسنجر ضالته في دبلوماسي أميركي شاب، في السابعة والعشرين من عمره، ضمن الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في نيويورك، معقل المفكرين الاستراتيجيين للسياسات الخارجية الأميركية، بالضبط كما مركز "راند"، قلب وزارة الدفاع الأميركية.. كان ريتشارد هاس، هو الشاب الذي سيرسم لكيسنجر مداخل ومخارج العرب والإسرائيليين، فكريا وتاريخيا.

عرف العالم العربي كيسنجر عبر "جولاته المكوكية" بين القاهرة وتل أبيب، والتي أدت إلى "فض الاشتباك"، بين الجيشين المصري والإسرائيلي.

التفاصيل تضيق على المسطح المتاح للكتابة، غير أن أهم علامة استفهام جاوب عليها كيسنجر العالم قبل سنوات قليلة كانت تدور حول حرب أكتوبر، وهل كانت سيناريو متفق عليه بين العرب وإسرائيل وأميركا، أم أنها كانت معركة حقيقية؟

جواب كيسنجر، يفيد بأن ما حدث على أرض سيناء، كان بالفعل حربا ضروسا، استطاع العرب فيها الفوز.

لم تكن معركة العبور تمثيلية، كما ادعى البعض، وقد كان لدى الأميركيين تخوفات من أن يكون البرنامج الصاروخي المصري الذي كثر الحديث عنه في الستينيات، لا يزال قائما، أو أن يكون لدى المصريين بقية من أسلحة صاروخية يمكنها أن تؤذي العسكريين والمدنيين الإسرائيليين بقوة.

في اتصال هاتفي بين كيسنجر والرئيس السادات، طلب الأول من الثاني ألا ترتكب مصر أخطاء، تعقد ما بعد الحرب. "سوف تضع الحرب أوزارها، وسنكون هناك ما بعد الحرب، حين يحين موعد السلام، وسوف تحتاجون إلينا".

بدت النصيحة وكأنها أبواب تفتح أمام عهد جديد وبداية جديدة بين العرب والإسرائيليين في الشرق الأوسط.

على أنه حتى الساعة ينقسم المؤرخون تجاه رد السادات، والذي أخبر كيسنجر بأن مصر لا تنتوي تطوير الحرب، الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة تسريب لأسرار المعركة قبل أن تنتهي، فيما اعتبره البعض الآخر محاولة لمنع إسرائيل من إصابة العمق المصري، عبر اليد الإسرائيلية الطولى المتمثلة في سلاح الطيران.

لاحقا اشتهر كثيرا تعبير السادات "صديقي كيسنجر"، وقد عاب الكثير من المصريين عليه، متهمينه بصداقة كيسنجر اليهودي، وفاتهم أنه علماني لم يعد مغرقا في طلب فكرة المغفرة من الله العادل الغفور، وتلاشت معتقداته الدينية تماما بعدما أصبح بعيدا كل البعد عن ماضيه اليهودي الألماني، والعهدة على الدبلوماسي الأميركي الشهير ، "مارتن إنديك" في مؤلفه العمدة: "سيد اللعبة.. هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط".

رصد كيسنجر الشرق الأوسط بعيني الصقر، طوال العقود الماضية، ولم يفته أن يدلي بدلوه، فيما جرى خلال أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، أي زمن الربيع العربي المغشوش.

اعتبر كيسنجر أن هناك نوعين من الثورات، ثورات ديمقراطية، وأخرى تاريخية، وما جرى في العالم العربي، هو من النوع الثاني، والذي يعقبه دوما الدمار والخراب، ولا تستفيد منه إلا التيارات المتشددة .

كان كيسنجر ناقدا شديد النقد لإدارة أوباما، وربما ناقما عليها، واعتبر أن مشكلتها لاسيما على صعيد السياسة الخارجية، تتمثل في أنها ماهرة في التعامل مع الجوانب الفنية، لكنها عاجزة عن وضع استراتيجية مستقبلية ذات أهداف محددة.

كان كيسنجر كاشفا جدا لزيف سياسات أوباما، والتي تسببت لواشنطن في خسائر فادحة في الشرق الأوسط بنوع خاص، وقد عقب على ذلك بقوله: "لا أظن أنه يوجد من يضع ثقته بشكل كبير في سياسات أوباما الخارجية، أو يدرك أهدافها بوضوح".

أكثر من ذلك، فإن كيسنجر حذر أوباما مرارا، من جراء سياسته الشهيرة المعروفة بـ"القيادة من خلف الكواليس"، ونصحه كثيرا بأن يحافظ على أصدقاء أميركا في العالم العربي، مؤكدا على أن كل مربع نفوذ يخليه، تقوم روسيا والصين بملئه على الفور، غير أن أوباما لم تكن له أذنان تسترقان السمع، وهو ما يبدو أن ساكن البيت الأبيض حاليا يسير على هديه ودربه.

من أهم العبارات التي سيتركها كيسنجر، كإرث تاريخي، قوله: "القادة العظماء يتسمون بالبصيرة والشجاعة ويفهمون جوهر المشكلة، أما غيرهم فلا يدركون سوى الأعراض فقط، ويشير إلى أن الرجال لا الأحداث هم من يقررون مستقبل البشر".

من هو كيسنجر؟

الخلاصة أنه الرجل اللغز الملفوف في سر، ضمن أحجية ملقاة في بئر عميقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مئويته كيسنجر والعرب في مئويته كيسنجر والعرب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي

GMT 08:50 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

بيور غراي يعدّ من أفضل المنتجعات حول العالم

GMT 21:34 2017 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فريق "وداد تمارة" يتعاقد مع المدرب محمد بوطهير

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

قمر في فستان أبيض قصير على "إنستغرام"

GMT 09:35 2023 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

محرك البحث "غوغل" يحتفل بيوم المعلم العالمي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib