العالم بعيون الجنرال مارك ميلي

العالم بعيون الجنرال مارك ميلي

المغرب اليوم -

العالم بعيون الجنرال مارك ميلي

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

واحدة من أهم القراءات التي ينبغي التوقف عندها طويلاً، وتحليل كل كلمة وردت فيها، مقابلة رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، والتي أجراها معه الصحافي دان كورتز فيلان، ونُشرت في مجلة «الفورين آفيرز».

تبدو المقابلة وكأنها رؤية للعالم بعيون أميركية، وبالتحديد من طرف المؤسسة العسكرية، لا سيما أن الجنرال ميلي، والذي انتهت فترة ولايته، غالباً ما كان يُنظر إليه بوصفه أحد جنرالات الحرب العالمية الثانية، من حيث رصانته وتعقله، وإدراكه كارثية الاعتماد على قوة السلاح فحسب.

الجزئية الأهم في حوار ميلي تناولت بلا شك أزمة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ومآلاتها، ويتضح من تصريحاته أن واشنطن والأطلسي عازمان على حرمان القيصر بوتين من أي انتصار.

هناك كذلك معلومات عن مساعدات قادمة لأوكرانيا، وتجهيز قوات، تصل إلى تسع كتائب مشتركة، وإن كان التحليل الدقيق والعميق لما قاله ميلي، يفيد بأن هناك شكوكاً عميقة حول مقدرة زيلينسكي على مواجهة ومجابهة الروس.

لا تبدو الوسائل العسكرية التي سعت موسكو في طريقها، قادرة على تحقيق الأهداف السياسية، بحسب رجل العسكرية الأميركية، والذي يقطع بأن المشهد في غالب الأمر سوف يستمر حتى 2024.

حكماً، يبحث القارئ في ذاك الحوار المطول عن جواب لتساؤل لا يزال يؤرق الجميع: هل يمكن أن يقود هذا الصدام إلى حرب نووية؟

الذين استمعوا إلى تصريحات نائب رئيس مجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيديف، الرئيس السابق لروسيا، عن قرب هذه المواجهة، يجدون في المقابل رؤية عقلانية من الجنرال ميلي، مفادها أنه من مصلحة الجميع عدم التصعيد، فلا روسيا ولا حلف شمال الأطلسي يتطلعان لمثل هذه الحرب.

غير أنه يتوقف عند رؤية قديمة، تعود إلى ما قبل الميلاد، عبّر فيها ذات مرة المؤرخ اليوناني ثويوثيديديس عن: «الحروب التي تنبع من شدة الانفعالات والعواطف، فهناك عادة في أزمنة المواجهات مساحة كبرى من الخوف والكبرياء والمصلحة»؛ ما يعني أن التصعيد النووي قائم ويخشى المرء أن يكون قائماً.

حوار «الفورين آفيرز»، ربما يحمل أول أعتراف رسمي من مسؤول أميركي رفيع المستوى، عن طبيعة العالم المعاصر، وأوضاع القوى العظمى فيه؛ إذ يقرّ بأنه خلافاً لزمن الحرب الباردة، هناك الآن ثلاث قوى عظمى في العالم هي أميركا وروسيا والصين، وجميعها تتمتع بإمكانات كبيرة في سكانها واقتصادها وبالطبع جيوشها.

تبدو توازنات القوى الدولية واضحة في ذهن سيد العسكرية الأميركية؛ إذ يعدّ أنه رغم كون أميركا القوة الأقوى بكل المقاييس، فإنه يرى في روسيا والصين قوتين نوويتين قويتين للغاية.

وجود ثلاثة أقطاب أمر يزيد عالم اليوم تعقيداً عما كان عليه من قبل، أي في ظل قوتين فقط... هل تخلق هذه الثلاثية تحدياً جيوسياسياً واستراتيجياً لواشنطن خلال العقود المقبلة؟

يقرّ ميلي بأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن ترى موسكو وبكين ماضيتين قدماً في سعيهما لتشكيل تحالف عسكري استراتيجي، وهو يعترف بضرورة أن تفعل واشنطن ما في وسعها للحرص على عدم حدوث ذلك.

يبدو عالم أميركا في مأزق حقيقي؛ فهي لا تود أن تدفع الصين وروسيا إلى التقارب على الصعيد العسكري، غير أن دعم واشنطن الكبير لكييف، يجعل بكين تتحسب لما يمكن أن تقدِم عليه إدارة بايدن أو أي إدارة قادمة في حال قررت غزو تايوان.

يراهن الجنرال ميلي على الرئيس الصيني، شي جينبينغ، ويصفه بأنه قوي جداً، وصلب، وواقعي لدرجة كبيرة، ومن هنا فهو يدرك قوة الولايات المتحدة الأميركية؛ ولهذا لا يبحث عن هذا النوع من الصراع المسلح.

هل هذا رهان مطلق، أم أنه عند نقطة جوهرية تتعلق بكرامة الصين وحيوية مشروعاتها القطبية، يمكن أن يضع جينبينغ والحزب الصيني الشيوعي حداً لـ«الصبر الإستراتيجي»، تجاه الولايات المتحدة؟

ويبدو في عيون العسكريين الأميركيين أن الصين بعيدة في الوقت الحاضر عن التخطيط الجدي لغزو تايوان، لا سيما أن الأمر مختلف عن عملية روسيا البرية في أوكرانيا.

تتمحور أفكار الردع الأميركية لجهة الصين، في ضرورة أن يكون لأميركا جيش قوي للغاية، وقادر في مجالات متعددة، وأن تضمن إدراك الصينيين تلك القدرة الساحقة، ونية استخدامها عندما يجدّ الجد.

يفتح ميلي أعيننا على مآلات الحرب اليوم وغداً وعلى مدى العقود المقبلة، عادّاً أن الطابع الأكثر جوهرية سيكون مدفوعاً بالتكنولوجيا، من عينة الأسلحة الذكية الموجهة، وأجهزة الاستشعار، والأسلحة الفرط الصوتية.

عالم الجنرال ميلي، يتسم بالقدرة على استشعار البيئة المحيطة بصورة مذهلة؛ إذ يمكنك زيارة موقع «غوغل إيرث» والحصول كيفما تشاء على البيانات والخرائط ورؤية صور الأقمار الصناعية التي كانت متاحة قبل خمس سنوات تقريباً أو عشر، للجيوش الأكثر تقدماً في العالم فقط.

تبدو العقود المقبلة أزمنة تجلي الروبوتات، وجيوش الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية، في حين مجالات الإنترنت والفضاء، وتحت سطح الماء، ستصبح محددات رئيسية لمن يقود العالم.

يظن ميلي بالحديث عن 20 تقنية جديدة تسعى الولايات المتحدة في طريق امتلاكها جواً وبراً وبحراً، قادرة على تفعيل عملية التلاحم بين التكنولوجيات، وقادرة على إحداث تغييرات جوهرية في شكل الحياة المدنية، وعلاقة الإنسان بالعمل، بل علاقة البشر بعضهم بعضاً.

عالم الغد ربما لن يكون من نصيب من يمتلك أسلحة أشد فتكاً رغم أهميتها ودورها في لحظات الحسم، بل سيضحى في جانب من يمتلك التفوق الحاسم في تلك التقنيات والقادر على تطويرها.

لا يواري أو يداري ميلي رغبته في أن تكون تلك الدولة هي الولايات المتحدة الأميركية؛ ما يعني أن رؤية المحافظين الجدد للقرن الأميركي ماضية قدماً، وبأيدٍ قابضة على جمر الفوقية عبر طريق «تكلم بلطف وامسك عصا غليظة» وفق الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم بعيون الجنرال مارك ميلي العالم بعيون الجنرال مارك ميلي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي

GMT 08:50 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

بيور غراي يعدّ من أفضل المنتجعات حول العالم

GMT 21:34 2017 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فريق "وداد تمارة" يتعاقد مع المدرب محمد بوطهير

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

قمر في فستان أبيض قصير على "إنستغرام"

GMT 09:35 2023 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

محرك البحث "غوغل" يحتفل بيوم المعلم العالمي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib