دبلوماسية جدة ومساقات السلام العالمي

دبلوماسية جدة... ومساقات السلام العالمي

المغرب اليوم -

دبلوماسية جدة ومساقات السلام العالمي

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

من جديد تتألق جدة، جوهرة مكانية على ساحل البحر الأحمر، وركيزة للدبلوماسية العالمية؛ فهي تستضيف قمماً عالمية، ساعيةً في طريق إفشاء السلام وإنهاء الخصام، حول كثير من بقاع وأصقاع المسكونة.

اليوم (السبت) وغداً (الأحد)، يسارع ضيوف من نحو 30 دولة حول العالم، يتقدمهم مستشارو الأمن القومي في تلك البلدان، بهدف السعي لإيجاد مخرج للمأزق الروسي - الأوكراني الذي طال وبات يتهدد الأمن والسلم الدوليين.

الهدف الثمين والمقدَّر جداً لقمة جدة، هو السعي في طريق استكشاف أفق جديد يمكّن في النهاية من الوصول إلى بدء مفاوضات جدية تنهي الأزمة العبثية التي أرهقت العالم برمته في الحال، وتهدد بدخوله مساراً كارثياً مستقبلاً.

تدير الدبلوماسية السعودية، وباقتدار، واحدة من أهم الطاولات المستديرة سياسياً، في الآونة الحديثة، وتلعب القيادة السياسية في المملكة دور الميسّر بين قوى عظمى ومتحاربين كبار، في ظل استراتيجيات غير واضحة، وأهداف ما ورائية، بل وإصرار عميق من أطراف الأزمة كافة على المضي قدماً في طريق وقف النار والدمار.

ما يميز قمة جدة واقعاً أنها لا تبحث في حلول لمشكلة، بل في مساقات لإشكالية مفخخة.

فلسفياً الفارق بين الأمرين واسع وعميق، فالمشكلة متكررة وحلولها تكاد تكون تقليدية ومنهجية، في حين أن الإشكالية تحتاج إلى أفكار من خارج الصندوق، وفي الحالة الروسية - الأوكرانية يتطلب الأمر دعماً وزخماً من أصحاب النيات الحسنة والطوايا الصالحة، ناهيك بالعقول البراقة اللماحة، القادرة على ما لم تأتِ به الأوائل، مع الاعتذار لرهين المحبسين أبي العلاء المعري.

حاضراً تبدو المصالح متشابكة بصورة معقدة، والهواجس متداخلة، والدمار المهلك قد طاول الطرفين، وبينما نيران الحرب تشتعل، تبدو الخسائر الجانبية في الأفق أشد هولاً، لا سيما في ظل ضبابية تجتاح العالم، ورطانة لغوية عن نظام عالمي جديد يعاني من ولادة متعسرة، فيما المخيف حتى الرعب، عودة تاريخية مظلمة لزمن القوميات والشوفينيات، وصعود تيارات اليمين، في ظل مخاوف تجد من يغذيها، من جراء القرار الروسي بخوض المعركة، وكأن العالم قافز إلى الخلف، وصاعد إلى الهاوية.

هل من فرصة تاريخية أمام قمة جدة، التي ستكمل نقاشات قمة السلام بشأن أوكرانيا التي عقدت في العاصمة الدنماركية الشهر الماضي؟

يمكن من دون أدنى شك التوافق لجهة عقد قمة دولية خاصة بالأزمة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سبتمبر (أيلول) المقبل، يقوم خلالها قادة العالم بتوقيع المبادئ المؤدية إلى وضع حد للحرب، ومن ثم فتح دروب السلام ما بين موسكو وكييف، ومحاولة بناء الثقة من جديد، ولن يكون الأمر أكثر صعوبة من تصالح وتسامح غالبية دول أوروبا مع ألمانيا النازية عقب الحرب العالمية الثانية.

يبدو المشهد في مجمله مأزوماً ومركباً، وهذا صحيح، لا سيما أن هناك ربما من يتطلع إلى نتيجة صفرية، بمعنى فائز يأخذ الكل ومهزوم يتحمل أكلاف المعركة دفعة واحدة، وهذا ما لا يظن أحد أنه وارد الحدوث.

لكن الثابت أن الكلام عن الحل السلمي في الوقت ذاته ليس مستحيلاً، لا سيما أن السعودية توسطت من قبل بين روسيا وأوكرانيا، وقد نجحت وساطتها ذات مرة، حين أسفرت عن تبادل الأسرى بين طرفَي الحرب العبثية، وليس سراً القول إن دبلوماسية المملكة تعمل الآن جاهدة على صفقة جديدة يُعاد بموجبها الأطفال الأوكرانيون الذين نقلتهم موسكو إلى الأراضي الروسية.

هل من إشارات يمكن عدّها إيجابية من قادة روسيا وأوكرانيا، استبقت قمة جدة؟

ذلك كذلك بالفعل؛ فقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجلسة العامة للقمة الروسية - الأفريقية الثانية مؤخراً بأنه يجب حل جميع التناقضات أثناء المفاوضات.

أما رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، فقد أعرب يوم الخميس الماضي عن أمله في عقد «قمة سلام» بشأن أوكرانيا في الخريف المقبل، وعدّ محادثات جدة نقطة الانطلاق نحو السلام.

تبدو قمة جدة فرصة ذهبية لتطوير مبادئ السلام التي تقوم على ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتمسك بسلامة أراضي كل دولة واستقلالها السياسي، كما إدانة أي عدوان، ورفض أي تهديد باستخدام القوة.

أحد أهم الأسئلة التي تُطرح قبل قمة جدة: هل للغرب كما الشرق مصلحة في إنهاء هذه الأزمة؟

مؤكداً أن هناك رغبة مكبوتة لدى الجميع، لكن من غير أدنى مقدرة للتعبير عنها، وقد يمضي المرء في القول إن السعودية تفتح المجال للجميع للتنفيس سراً وجهراً، بما يجول في الصدور.

روسيا من ناحيتها تخسر الكثير يوماً تلو الآخر؛ فلم يعد يناصرها على استحياء سوى الصين وبعض دول أفريقيا، وهذه وتلك يمكنها التنصل منها عند نقطة زمنية معينة.

أوكرانيا مرهقة، وغير واثقة من أن واشنطن وبروكسل ستمضيان إلى ما هو أبعد، ومن غير المصدَّق أن يراجع ما قاله كلٌ من ضابط المخابرات الأميركية السابق، سكوت ريتر، والأستاذ بجامعة سيراكيوز، شون ماكفيت، من أن زيلنسكي خيَّب أمل الولايات المتحدة وأفقدها ثقتها به، ما يفيد بأن شيكات على بياض أخرى باتت أمراً مشكوكاً فيه لا سيما إذا دخل البيت الأبيض رئيس جمهوري جديد، أكان ترمب أو مَن لف لفه.

أما أوروبا، فهي بجلاء تام الخاسر الأكبر في المعركة، فقد خسرت فرصة «الأوراسيا»، التي كانت حلم قادتهم الكبار، لا سيما شارل ديغول، فيما الأثمان الفادحة، باتت تحمل على المستقبل، خصوصاً بعد العودة إلى «عصر العسكرة»، بعد الاهتمام بتنمية الأمم وترقية الشعوب.

البديل الوحيد لاستمرار الحرب هو فتح باب الهوة النووية، واستشراء الفقر وفتح فمه واسعاً، وسطوة الجوع على الفقراء.

تتألق كوادر الدبلوماسية السعودية، ومِن ورائها دولة تتمتع باستقرار سياسي وأمني، ونجاحات إقليمية ودولية قائمة ومقبلة، ومواقف من الحيادية الإيجابية تبدو جلية للقاصي والداني...

يبدو الصوت المتردد في قاعات جدة عالياً وغالياً، ومفاده: «ليس هناك ما نخسره في طريق السعي للسلام، لكن حكماً بالحرب سيخسر الجميع كل شيء».

فلتصمت المدافع، ولتَسُد روح العدالة والحكمة والسلم مرة وإلى ما شاء الله.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية جدة ومساقات السلام العالمي دبلوماسية جدة ومساقات السلام العالمي



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي

GMT 08:50 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

بيور غراي يعدّ من أفضل المنتجعات حول العالم

GMT 21:34 2017 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فريق "وداد تمارة" يتعاقد مع المدرب محمد بوطهير

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

قمر في فستان أبيض قصير على "إنستغرام"

GMT 09:35 2023 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

محرك البحث "غوغل" يحتفل بيوم المعلم العالمي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib