واشنطن والفاتيكان جهد لوقف الحرب المأساوية

واشنطن والفاتيكان... جهد لوقف الحرب المأساوية

المغرب اليوم -

واشنطن والفاتيكان جهد لوقف الحرب المأساوية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

وسط زخم أحداث الأيام الماضية، لم يتنبه الكثيرون إلى مشهد مهم، له دلالاته ومعناه البالغين، ويعيد إحياء تعاون فاعل وناجز، بدأ منذ أوائل ثمانينات القرن المنصرم، وصولاً إلى انهيار الشيوعية.
     

نهار الاثنين 21 أغسطس (آب) الحالي، كان البابا فرنسيس يستقبل رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي، في لقاء ناقشا خلاله أزمة الحرب الأوكرانية وآمال التوصل للسلام.

يُعرف ميلي بأنه أحد الجنرالات الأميركيين، من أصحاب العقيدة الكاثوليكية، المحافظ من غير تطرف أو تشدد، على أداء الشعائر والطقوس الدينية في المناسبات الروحية كافة.

ميلي بعد الاجتماع صرح للمسافرين معه بأن الزيارة تعني له الكثير، وفق المتحدث باسمه الكولونيل ديف باتلر، والذي أضاف أن البابا فرنسيس يشعر بقلق بالغ إزاء الخسائر في الأرواح في أوكرانيا، وبخاصة في صفوف المدنيين.

من المؤكد قطعياً أن مشهد الحرب الروسية - الأوكرانية العبثي، لم يعد مريحاً لأحد، لا سيما بعد إخفاق الهجوم الأوكراني، الذي طال الحديث عنه، بل يكاد المشهد يتطور منذراً بالأسوأ، وعلى المشككين أن يراجعوا تصريحات ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي، بشأن تفكير بلاده في ضم إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الانفصاليين في جورجيا، وكأن روسيا تهرب إلى الأمام بتوسيع دائرة الصراع، ووضع «الناتو» في مواجهة أبعد جغرافياً.

الذين لهم معرفة بتاريخ الحروب الروسية منذ القياصرة وحتى اليوم، يعرفون أن روسيا عادة ما توسع مساحاتها الجغرافية في أعقاب كل حرب؛ ما يعني أن أوروبا تحديداً ستعاني الكثير من الويلات القادمة، إذا استمرت الحرب.

أما العم سام، فليس سراً أن هناك الكثير من الأصوات وبخاصة بين الجمهورين، ترفض المضي قدماً في هذا الاستنزاف المالي والعسكري، والذي يكاد يتحول مستنقعاً أميركياً بالوكالة.

زيارة الجنرال ميلي للبابا فرنسيس تعيد التذكير بالعبارة التاريخية التي أطلقها الزعيم الشيوعي، جوزيف ستالين إبان مؤتمر يالطا في فبراير (شباط) 1945: «كم فرقة عسكرية يمتلك البابا؟»، في صيغة تندر حفظتها أضابير التاريخ لاحقاً.

نعم، لم يكن للبابا بيوس الثاني عشر وقتها، فرق عسكرية، تسمح له بالمشاركة في مؤتمر يالطا، لكن تأثير خليفه الروحي البابا يوحنا بولس الثاني، سوف يفعل الأعاجيب في الكتلة الشيوعية، منذ أن تولى السدة البابوية في عام 1978.

السؤال الذي يشكل نقطة الارتكاز في هذه القراءة: «هل زيارة رئيس الأركان الأميركي إلى الفاتيكان، زيارة بروتوكولية؟ قطعاً هي أبعد من ذلك بمراحل، فرغم أن الفاتيكان أدرج الاجتماع على جدول أعمال البابا، ولم يقدم تفاصيل عن المحادثات التي جرت بين الرجلين، فإنه من اليسير جداً أن يستنتج المرء احتمالات تفضيل واشنطن، قيام الفاتيكان بتفعيل دبلوماسيته بين موسكو وكييف، لحفظ ماء وجه واشنطن وبروكسل، وفتح طريق أمام السلام المتعثر، أو وقف إطلاق النار على الأقل وصولاً إلى اتفاقية تنهي الأزمة تالياً.

لم يكن فرنسيس في واقع الحال بعيداً عن الأزمة الأوكرانية منذ بداياتها؛ ذلك أن الذاكرة الجمعية للأمم والشعوب، تحفظ له المؤتمر الذي عقده عبر «الفيديو كونفرنس» مع البطريرك الروسي كيريل الأول في مارس (آذار) 2022، والذي حاول فيه فرنسيس أن يخبر رجل الدين الروسي الأول والمقرب جداً إلى قلب القيصر بوتين بأنهما «خدام الرب» وليس «خدام السياسة»، غير أن كيريل ظل على مدى 40 دقيقة يقرأ من ورقة مكتوبة، ما يشبه البيان المصاغ بلغة خشبية تعود إلى العهود السوفياتية القديمة.

لم يتوانَ البابا فرنسيس عن بذل الجهود في سبيل وقف إطلاق النيران، ورفع الموت عن المدنيين الأبرياء؛ ولهذا أرسل مبعوثه الخاص للسلام في أوكرانيا، الكاردينال الإيطالي ماتيو تسوبي، أحد المرشحين لخلافة فرنسيس في البابوية القادمة، إلى كييف وموسكو وواشنطن لمناقشة المساعدات الإنسانية وإعادة الأطفال الأوكرانيين إلى وطنهم، وربما ترتيب أوراق سياسية وتهيئة الأجواء لنهاية الأزمة، عبر جمع الأطراف المتناحرة على مائدة واحدة، والفاتيكان قد يبدو محايداً ومقبولاً في هذا الإطار لما يعرف عنه «كقوة إقناع معنوية».

تبدو جهود الفاتيكان مكوكية، في سياق إيقاف الأزمة الأوكرانية، ومنها أن هناك، وبحسب مصادر في قلب الفاتيكان، خططاً لتوجه الكاردينال تسوبي إلى بكين للحصول على دعم الصين، فيما يبدو أنه خطة سلام يطرحها الفاتيكان، بمباركة أميركية، وموافقة روسية ولو على مضض، لا سيما في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة في موسكو وتخومها، حيث بلغ الدولار قرابة مائة روبل روسي؛ ما يصعّب من حياة الموسكوفيين جملة وتفصيلاً.

هل زيارة الجنرال ميلي تذكرنا بزيارات مسؤول أميركي كبير في بدايات عام 1981 إلى حاضرة الفاتيكان، والترتيبات التي أعقبت تلك الزيارات السرية المغلفة بالألغاز؟

الحديث هنا يطول، ولكن يبدو أننا أمام مشهد مشابه لزيارات مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام كيسي، في زمن الرئيس رونالد ريغان، وقد كان كيسي بدوره كاثوليكياً حتى النخاع، وتلميذاً للرهبنة الجيزويتية اليسوعية في منطقة رود آيلاند في نيويورك، بحسب ما سطره الصحافي الأميركي ستيفن كول في ملفه العمدة «حروب الأشباح» عن تاريخ الـCIA.

عطفاً على ذلك، فإن ريغان عينه كان كاثوليكي الأصل، وإن قدّم نفسه ربما لأسباب انتخابية للمجتمع الأميركي بوصفه منتمياً إلى الطائفة المشيخية البروتستانتية.

قد يكون بايدن كاثوليكياً غير أمين، وقد كاد يقع عليه الحرم الكنسي بسبب دعمه الإجهاض، لكن في وجود الجنرال ميلي، الكاثوليكي المحافظ وفرنسيس البابا المحب للسلام، يبدو أن هناك طريقاً جديدة إلى أوكرانيا بشكل أو آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن والفاتيكان جهد لوقف الحرب المأساوية واشنطن والفاتيكان جهد لوقف الحرب المأساوية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 04:55 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

" Chablé" يمثل أجمل المنتجعات لجذب السياح

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 20:53 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

شجار بالأسلحة البيضاء ينتهي بجريمة قتل بشعة في مدينة فاس

GMT 22:28 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

ولي عهد بريطانيا يقدم خطة لإنقاذ كوكب الأرض

GMT 05:06 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

"Hublot" الخزفية تتصدر عالم الساعات بلونها المثير

GMT 09:11 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

فتاة منتقبة بطلة فيلم "ما تعلاش عن الحاجب"

GMT 07:11 2018 السبت ,25 آب / أغسطس

فولكس" بولو جي تي آي" تتفوق على "Mk1 Golf GTI"

GMT 16:49 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مكرم محمد أحمد ضيف "الجمعة في مصر" على "MBC مصر"

GMT 16:34 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

مهاجم زامبي على طاولة فريق الدفاع الحسني الجديدي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib