واشنطن – بكين  زمن الحرب السيبرانية

واشنطن – بكين .. زمن الحرب السيبرانية

المغرب اليوم -

واشنطن – بكين  زمن الحرب السيبرانية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

لا تبدو سلسلة الزيارات الأميركية الرسمية للصين، بدءا من وزير الخارجية أنتوني بلينكن، مرورا بوزيرة الخزانة جانيت يلين، وانتهاء ببطريرك السياسة الأميركية، صديق الصين العتيد هنري كيسنجر، قد نجحت في تحسين العلاقات السياسية الملتهبة جدا، والمعرضة للوقوع في جب الهوة العميقة المعروفة تاريخيا باسم "فخ ثيوسيديديس".

هل بدأت المناوشات بين الجانبين عسكريا في الأوقات الأخيرة؟

غالب الظن أن هذا ما جرت به المقادير قولا وفعلا، لكن في الخفاء السيبراني، وليس في ميادين ضرب النار التقليدية، وإن كان الأمر برمته مقدمة لما هو أشد هولا.

لماذا هذا الحديث في الوقت الراهن؟

قبل بضعة أيام كانت واشنطن تعلن عن شحنات أسلحة متقدمة لجزيرة تايوان، الأمر الذي أثار ثائرة الصين، ودفعها لإعلان غضبها العارم وإن جاء بشكل سري أكثر منه جهريا، وهو ما يتسق مع فلسفة الصين الكونفوشيوسية.

يتحدث البعض من المراقبين الثقات عما يجري داخل الصين من تطورات مثيرة، جميعها ترتبط بمقدمات أزمة صدام وحرب، الأمر الذي يتجاوز مجرد التجهيزات العسكرية، وصولا للاستعدادات اللوجستية الباقية من غذاء ودواء، وما يلزم لمجابهة عقوبات غربية واسعة النطاق محتملة، حال قامت الصين بعمل عسكري ضد تايوان، والجميع يعرف أن الدبلوماسية لن تحل الأزمة التي طالت منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم.

ليس سرا أن الولايات المتحدة الأميركية لا توفر جهدا في سياق محاصرة الصين، وخير دليل ما يجري من تعاون عسكري عميق وخطير بينها وبين أستراليا، لا سيما فيما يخص تطوير قدرات أستراليا البحرية، من خلال تجهيزها بغواصات نووية متقدمة للغاية، عطفا على تزويدها بصواريخ بعيدة المدى، تطال غالبية إن لم يكن كافة الحواضن الصينية.

إضافة إلى ذلك، قيام الولايات المتحدة بدعم اليابان بشكل عسكري، وفي المقابل قد تقبل طوكيو بنشر قواعد لأسلحة الدمار الشامل النووي على أراضيها، أمر يعطي إشارة لا تخطئها العين للصينيين.

تبدو التنبؤات حول فخ "ثيوسيديديس" ماضية قدما، ويحسب للبروفيسور ورجل السياسة الأميركي الشهير غراهام اليسون أنه أول من استدعى هذا التعبير من خلال كتابه الشهير "الاتجاه نحو الحرب: هل تستطيع أميركا والصين تجنب فخ ثيوسيديديس" الصادر عام 2017 ، وفيه يتساءل هل سيكون مصير البلدين الكبيرين مشابها لمصير العلاقة بين أثينا وأسبرطة قبل الميلاد.

كان الطريق الشعبوي لهذا المصطلح قد راج حين ظهر في إعلان رأي مدفوع في جريدة النيويورك تايمز في 6 إبريل عام 2017 بمناسبة اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، وقد ذكّر اليسون أميركا والصين، بأنهما تتقاسمان التزاما أخلاقيا يوجب عليهما الابتعاد عن فخ ثيوسيديديس، وكأن الماضي يلقي بظلاله على الحاضر.

هل تقف الصين متكوفة الأيدي، أم أنها تتخذ وربما اتخذت بالفعل خطوات للمواجهة، ولكن عن طريق رؤاها وأفكارها؟

يدرك الصينيون تمام الإدراك أن أي صراع عسكري في الوقت الحالي مع الولايات المتحدة الأميركية، لن يكون في صالحهم بالمعنى الواسع وليس الضيق، أي أنه سيؤثر تأثيرا كبيرا وخطيرا على مشروعات بكين للنمو والانتشار والتعمق حول العالم، وسيدخلها في نفق مشابه لما تعيشه روسيا في الوقت الراهن.

هنا يبدو أن الصين تسعي للصدام عبر تراثها العسكري الخاص بمعرفة كل ما يتوافر من معلومات عن العدو، وتفعيل تلك المعرفة بصورة تخدم مصالحها، ومن غير إطلاق رصاصة واحدة.

قبل نحو شهرين، راجت أخبار عن قيام الصين ببناء منصة تجسس رقمية هائلة فوق شبه الجزيرة الكوبية، بهدف التقاط كل شاردة أو واردة يُهمس بها فوق الأراضي الأميركية.

هذا ما أعلنه الجانب الأميركي، وأنكرته الصين بطبيعة الحال، وفي كل الأحوال تبقى الحقيقة دوما في وضع متوسط.

الحدث الآخر الذي يقطع بأن هناك مخاوف جدية لصدامات بين بكين وواشنطن، تمثل في إعلان إدارة بايدن عن اكتشاف فيروسات صينية يعتقد أن الصين زرعتها بعمق داخل الشبكات الأميركية، لا سيما تلك التي تتحكم في خطوط إمدادات الكهرباء وأنظمة الاتصالات وشبكات توزيع المياه التي تغذي القواعد العسكرية في الداخل الأميركي وحول العالم، وقد عرضت صحيفة النيويورك تايمز القصة بمزيد من التوسع.

يبدو الأمر حربا سيبرانية صينية ضد أميركا، بهدف إرعابها في الحال، وشل قدراتها في الاستقبال، ومن غير أن تتكبد عناء الدخول في حروب كلاسيكية تقليدية تفوح منها رائحة النار والبارود.

هل هي مقدمة لصراع أكبر؟

مؤكد أن هناك من حاول دبلوماسيا فصل بكين عن موسكو، ودفعها في طريق الحياد، الأمر الذي تمثل مؤخرا في الرحلة المثيرة والغامضة لبطريرك السياسة الأميركية وثعلبها هنري كيسنجر لبكين، ولقائه مع رئيسها شين جين بينغ ووزير خارجيته، عطفا على آخرين.

تساءل الإعلام الأميركي والعالمي عن سر الغضبة المكبوتة التي أظهرها البيت الأبيض تجاه زيارة كيسنجر، وكيف أنه تم استقباله بصورة أفضل مما يتم استقبال كبار المسؤولين الأميركيين.

فتحت زيارة كيسنجر الأخيرة للصين أبواب التساؤلات عن مصير العلاقات بين بكين وواشنطن، وما إذا كان الصدام العسكري قد بات قدرا مقدورا في زمن منظور.

الذين تابعوا تصريحات مسؤولين أميركيين كبار في القوات الجوية الأميركية مثل الجنرال مايك مينيهان الذي توقع دخول بلاده حربا مع الصين خلال عامين، يدركون أن الصينيين ربما قد حسموا أمرهم، لكنهم لا يفضلون المبادأة، لإدراكهم أن الحرب مهلكة للزرع والضرع معا.

فيما الجانب الأميركي بدوره قد لا يفضل مواجهة عسكرية مع الصين في الوقت الحاضر، لأسباب عدة منها الأزمة الروسية – الأوكرانية في الوقت الحاضر، والانتخابات الرئاسية في 2024، ومحاولة تعويض الإخفاقات الاقتصادية التي تسبب فيها وباء كوفيد-19 المستجد.

هل الحرب السيبرانية مؤقتا هي البديل عن المواجهة العسكرية الشاملة؟

قد يكون ذلك كذلك، سيما في ضوء التطورات المتسارعة لعالم الذكاء الاصطناعي ومواجهات الروبوتات عوضا عن البشر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن – بكين  زمن الحرب السيبرانية واشنطن – بكين  زمن الحرب السيبرانية



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 15:27 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء
المغرب اليوم - هنغاريا تدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء

GMT 09:19 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن
المغرب اليوم - فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل آمن

GMT 14:44 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يكتشفون أصل معظم النيازك التي ضربت الأرض

GMT 05:21 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

أفضل بيوت الشباب والأكثر شعبية في العالم

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 10:52 2023 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تبدأ تسليم السيارة الأقوى في تاريخها

GMT 22:54 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

"فيسبوك" تنفي تعرض الموقع لاختراق

GMT 15:46 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

فضيحة "شاذ مراكش" تهدّد العناصر الأمنية بإجراءات عقابية

GMT 11:56 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

الحجوي يؤكّد أن تحويل الأندية إلى شركات يتطلب مراحل عدة

GMT 15:09 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

أحمد عز يواصل تصوير الممر في السويس

GMT 06:39 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتعي بشهر عسل رومانسي ومميز في هاواي

GMT 08:50 2018 الأحد ,11 شباط / فبراير

بيور غراي يعدّ من أفضل المنتجعات حول العالم

GMT 21:34 2017 الثلاثاء ,13 حزيران / يونيو

فريق "وداد تمارة" يتعاقد مع المدرب محمد بوطهير

GMT 02:42 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

قمر في فستان أبيض قصير على "إنستغرام"

GMT 09:35 2023 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

محرك البحث "غوغل" يحتفل بيوم المعلم العالمي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib