نيسان الأقوى من النسيان

نيسان الأقوى من النسيان

المغرب اليوم -

نيسان الأقوى من النسيان

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

بدءاً في فلسطين، مروراً بلبنان، وصولاً إلى تونس، يطل شهر أبريل (نيسان) كل عام حاملاً معه ذكرى أكثر من حدث غير عادي، ليس غريباً أن يستعصي على النسيان. تأبى أحداث تمر بها الشعوب إلا أن تفرض حضورها على الواقع، رغم غياب رموزها الأساسيين، وحتى بعد رحيل أبطال مسارحها المتعددة الأماكن والأزمنة. مفيد أن يحدث هكذا استحضار، شرط ألا يكون لمجرد الرغبة في جَلْد الذات، أو إطلاق العنان للبكائيات علّها تعوِّض ما خلَّفت الهزائم من نكبات على الأرض، وانهيارات في النفوس، بل لأن ثمة فوائد يمكن قطف ثمارها إذا ترافق استدعاء الماضي، مع تعلم الدروس مما جرى، ثم البدء بتجنب تكرار الأخطاء، والانطلاق في وضع خطط طرق عدة، تتوخى بناء الغد الأفضل.
كنتُ صبياً، لكنّ إدراكي أحاسيس الألم التي تنبض بوجع والدي، إذ يفيض دمع الندم من عينيه، لم يكن صعباً. باختصار يا ولدي، يقول المُهجّر القابض على جمر اللهب بين ضلوع القلب، كان يجب أن نبقى في بئر السبع. الفارق في العمر، وفي تجربة المعايشة، بالطبع، لم يكن يمنع الصبي من محاولة الفهم بعمق أكثر، أولاً، وربما بغرض التخفيف عن والد نال منه تعب الكد، وإرهاق العمر، أبعد مما يحتمل، لذا كنتَ تجدني أسارع إلى القول إن الرحيل إلى قطاع غزة، لم يكن محض اختيار ذاتي، وإنما وقع إثر تصاعد مآسي الظلم الصهيوني، وارتكاب المرعب من فظائع المجازر. كلا؛ لم يكن ذلك كله كافياً لإقناع رجل وقر في القلب منه إيمان مطلق أن ضياع البلد، أي بلد، يبدأ حين تقرر جموع من أهله الفرار إلى أقرب ما تسمى «مناطق آمنة» في قواميس ساسة العالم الكبار، الممسكين بخناق القرار الدولي، الذين هم أيضاً مشعلو نيران الحروب، إذا أرادوا، ومحققو السلام، إن شاءوا، يظنون أنهم صنّاع حاضر الشعوب، وأنهم المسيّرون للصراع بين الأمم بما يحقق مصالحهم قبل غيرهم.
في التاسع من أبريل عام 1948 أقدمت عناصر من عصابات «إرغون» و«شتيرن» الصهيونية على ارتكاب مجزرة دير ياسين. يراوح تقدير المصادر الفلسطينية والعربية لعدد الضحايا بين 250 و350، بينما تكتفي مصادر غربية بالزعم أن العدد كان في حدود 109 فحسب. في العرف الغربي ذاته، مقتل إنسان واحد كافٍ لأن يُعد جريمة. إذنْ، بصرف النظر عن العدد، يظل واضحاً أن ارتكاب تلك المجزرة فتح الباب أمام فرار آلاف العائلات طلباً للنجاة من بطش عصابات الإرهاب الصهيوني. لكنّ الفلسطيني النازح إلى دول الجوار العربية، سوف يعيش، أو قل إن أجيال لاجئي المخيمات الفلسطينية، سوف تعيش لتشهد من مآسي تدخُّل منظمات العمل الفلسطيني في الشؤون الداخلية لتلك الدول المضيفة ما تسبَّب بآلام ليست هينة للطرفين. مثلاً، قبل سبعة وأربعين عاماً من هذا اليوم (13 - 4 - 1975) جرت محاولة اغتيال استهدفت بيار الجميل، الزعيم الماروني المعروف، ومؤسس حزب «الكتائب» اللبناني. على الفور وُجهت أصابع الاتهام إلى الطرف الفلسطيني، فوقع هجوم مسلح على حافلة في منطقة «عين الرمانة» أدى إلى مصرع سبعة وعشرين فلسطينياً ولبنانياً. منذ ذاك اليوم، بدأ طوفان حرب أهلية في لبنان سوف يدفع لبنانيون وفلسطينيون ثمنها الفادح من دمائهم ومستقبل أجيالهم.
بعد ثلاثة عشر عاماً، في الخامس عشر من أبريل 1988 فوجئت تونس بذراع إسرائيل الطويلة تطالها، عندما تمكنت فرقة «كوماندوز» يقودها من تل أبيب إيهود باراك، من النزول على الساحل التونسي، ثم الوصول إلى مقر القائد الفلسطيني خليل الوزير، وقتله أمام أفراد من عائلته. أن يوضَع «أبو جهاد» على رأس قائمة الرؤوس الفلسطينية المطلوب تصفيتها إسرائيلياً، ليس بالأمر المُستغرب، بل مُتوقع، ويمكنني الذهاب أبعد بالقول إنه كان الأكثر خطراً على إسرائيل بين قيادات حركة «فتح» التاريخية كلها، لسبب واضح خلاصته أن الرجل كان الأشد تمسكاً بمبدأ الحركة الأساس، الذي شدد دائماً على قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. الغريب، حقاً، هو وجود خليل الوزير، ورفاقه القياديين، في تونس بعد لبنان، ومن قبل الأردن. لماذا لم يكونوا في دمشق، أليست هي الأحق باستضافة المناضلين لأجل العودة إلى فلسطين؟ طبعاً. إنما، ورد في الأمثال منذ زمن ما مضمونه أن معسول الكلام يُعجب الموهومين، حتى لو أنه معاكس تماماً للفعل الصادق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نيسان الأقوى من النسيان نيسان الأقوى من النسيان



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib