إنجاز أبطال وعجز فصائل

إنجاز أبطال... وعجز فصائل

المغرب اليوم -

إنجاز أبطال وعجز فصائل

بكر عويضة
بقلم : بكر عويضة

قهر السجان للأسير مُتوَقَّعٌ. ليس في الأمر جديد. غير أن التميز في هذا الوضع يتمثل في خصوصية تنوّع أساليب القهر الإسرائيلي لكل أسير فلسطيني يقبع بإحدى زنازين أيٍّ من قلاع ما تُسمى السجون في إسرائيل، لأن كلاً منها بالفعل قلعة يكاد يكون مستحيلاً اختراق تحصيناتها. كما صار معروفاً، سجن جلبوع واحد من الأكثر تحصيناً بين تلك القلاع بأسوارها العالية، وجدرانها الملّغمة بالأسلاك الشائكة. لذا، أنْ يخترق ستة أسرى فلسطينيين كل تحصينات أمن ذلك الحصن، وأن يتمكنوا من حفر نفق يُخرجهم من ظلمات سجانهم، إلى فضاء حرية أرضهم المحتلة، ولو لبضعة أيام، هو في حد ذاته واحدة من أبدع آيات إمكانية أن يُبدع الفلسطيني المقهور في إيقاع القهر بمرارة أشد، على سجانيه ومحتلي أرضه. أمِن عجب إذنْ، إذا قيل في وصف أولئك الستة إنهم أبطال؟ كلا، على الإطلاق.
حقاً، إنجازٌ بطولي يستحق صفة الإعجاز أنْ ينجح أسرى فلسطينيون في هز هيبة الأمن الإسرائيلي ككل، وإحداث شرخ في جُدُر تحصينات السجون المخصصة للفلسطينيين تحديداً. سوف يوثَّق هذا الحدث في سجلات التاريخ بشكل بارز، والأرجح أن يرجع إلى وقائع الهروب من قلعة جلبوع الإسرائيلية، في مستقبل الأيام، باحثون كثرٌ من مختلف بقاع العالم، ولأهداف عدة تتوخى الوقوف بدقة على النجاح في حفر النفق ثم الانطلاق من عتمته إلى النور. ذلك هو الشق الأساس في النظر إلى ما جرى. ثمة شق آخر، ربما يتوقف عنده باحثون في شؤون الحركات الوطنية عموماً، وما يُعنى، خصوصاً، بتطور أساليب وفنون المواجهة بين الطرف الأقوى في السلاح والتجهيز، هو المُحتل للأرض طبعاً، والآخر الأضعف سلاحاً، لكنه الأمضى عزيمة، وهو المتمثل في كل مُقاوم لأي احتلال. إذا حصل هكذا تدقيق مستقبلاً، لعل من الجائز الافتراض أن يتوقع المعنيون، فلسطينياً، تساؤلات لن تسرّهم، ولعلها لم تخطر على بال أي منهم.
يمكن تخيّل أن أول تلك التساؤلات سوف يأتي على النحو التالي: كيف تخفق التنظيمات الفلسطينية ككل، خصوصاً «حركة الجهاد الإسلامي»، أولاً، كونها فصيل الأسرى الستة، ثم حركة «حماس»، ثانياً، من منطلق أنها تنفصل بحكم قطاع غزة، في توفير ملاذ آمن للأسرى الفارين، اعتباراً من يوم وقوع الفرار؟ من الجائز أن يُقال إن هكذا إخفاق كشف عن عجز صاعق في أداء الفصائل الفلسطينية. أَمَا كان ممكناً لمن يجيد حفر الأنفاق داخل قطاع غزة، وبينه وبين مصر، توجيه أولئك الشبان نحو كيفية الوصول إلى مقرات آمنة؟ كلّا، رُبّ قائل يسارع فيجيب، وربما يضيف أن التساؤل في حد ذاته سخيف، ويعبِّر عن سذاجة في فهم تعقيدات الصراع الميداني ضد عدو بحجم إسرائيل. حسناً، ذلك رد يجب أخذه في الاعتبار. إنما، هل يمكن الرد عليه بطرح تساؤل مختلف على النحو التالي: لماذا يفشل أمن إسرائيل في العثور على جلعاد شاليط طوال أكثر من خمس سنوات أمكن خلالها لأمن «حماس» أن يخفيه جيداً، بينما تتمكن الأجهزة الإسرائيلية من اكتشاف مخابئ الأسرى الستة، واحداً بعد آخر، في ظرف أيام؟ تُرى، أكان ذلك التمكّن، لدى أجهزة «حماس» من مستوى خارق بالفعل، لدرجة أنه شلّ إمكانية كل الأجهزة في إسرائيل ففشلت في الوصول إلى استرجاع «ابن الجميع» -كما أُطلق على شاليط، تعاطفاً، في المجتمع الإسرائيلي- أم يجوز الافتراض أن مسؤولي الأمن الإسرائيلي، التزاماً بقرار سياسي، أطالوا أمد اختطاف ابنهم حتى وقت معلوم، ما دام إسرائيل مطمئنة إلى حُسن التعامل معه، بغرض أن يصبح إحدى أوراق المساومة، لاحقاً، سواء في صفقة تبادل أسرى، أو في التفاوض على وقف إطلاق نار عندما تنفجر واحدة من حروب إعادة خلط الأوراق، كي يُعاد رسم خرائط التحرك المسموح بها على مسرح تعطيل أي توصل إلى تسوية تتيح للفلسطينيين مجال التنفس بلا قلق من التحسب لاحتمال حرب جديدة تدق الأبواب؟
لست أزعم دراية بخفايا ليس لديَّ ما يوثّق زعمي بشأنها. إنما هي حيرة تعيد فرضها، أحياناً، تعقيدات تراجيديا جديدة يمر بها الحال الفلسطيني. حقاً، طوبى لكم أبطال إيقاع شق في قلاع السجان الإسرائيلي، عبر نفق سجن جلبوع. ثُم، أمَا حان للسادة قيادات الفصائل الفلسطينية أن تلمّ الشمل، علّها تغار من نجاح الأسرى الستة، فتنجح في ترميم شقوق خلل الأداء داخل فصائلها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنجاز أبطال وعجز فصائل إنجاز أبطال وعجز فصائل



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 17:56 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
المغرب اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 17:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 22:05 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يقول ما حصل في لبنان ليس هدنة بل اتفاق مستدام.
المغرب اليوم - هوكشتاين يقول ما حصل في لبنان  ليس هدنة بل اتفاق مستدام.

GMT 01:29 2023 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

فيسبوك يغير شعاره إلى اللون الأزرق الداكن

GMT 20:43 2023 الإثنين ,01 أيار / مايو

المغرب يُنافس في بطولة العالم للملاكمة

GMT 21:54 2023 الجمعة ,17 شباط / فبراير

الليرة تسجل تدهوراً جديداً فى لبنان

GMT 23:47 2023 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أسواق الخليج تتباين ومؤشر "تداول" يتراجع 0.2%

GMT 20:22 2022 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة "بيتكوين" تخسر أكثر من عشر قيمتها في 24 ساعة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib