عام بريطاني مؤلم

عام بريطاني مؤلم

المغرب اليوم -

عام بريطاني مؤلم

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

بريطانيا ليست في موقع استثناء، عند التأمل في المتوقع من آلام يحملها العام 2023 للبشر في أنحاء العالم كلها. فمن حرب روسيا - أوكرانيا، إلى مآسي عدم الاستقرار التي تزرع الرعب في نفوس معظم الناس، والدمار في البُنيان، ليحل الخراب محل العَمار، في دول تمتد ما بين سوريا واليمن والعراق ولبنان، إضافة إلى فلسطين، في المشرق العربي، وصولاً إلى ليبيا في الشمال المغاربي، والصومال بالقرن الأفريقي، مروراً بطوفان الغضب الشعبي في الشارع الإيراني، والتعامل الفظ وبقلب غليظ معه من جانب صناع القرار في طهران... واضح أن ما يُرى عبر شاشات رادار مراكز رصد المُرجح من أحداث العام الجديد، لا يبشر بما يثير التفاؤل بسنة تحمل ما يعزز الأمل أنها أقل آلاماً من سابقتها. على النقيض من ذلك، ربما يؤدي انفجار حدث خطير، يتجاوز الحد المتوقع، من مستوى الخطورة، والمحتمل من حيث التأثير على منطقة حدوثه أولاً، ومحيطها الإقليمي ثانياً، إلى تأثيرات أبعد بكثير مما يمكن للعالم ككل أن يتعامل معها بلا وقوع في غير مطب مؤلم جداً. يحضر هنا مثال الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما جرَّ على أجزاء عدة في الأرض من ارتدادات زلزالية لم يَزل وقعها يتردد بين وقت وآخر.
بيد أن خصوصية آلام سنة 2023 البريطانية لها أيضاً ما يبررها. في واقع الأمر، يمكن القول إنها امتداد لما شهده العام الراحل من مصاعب جمة، ارتقى بعضها فاكتسب صفة الألم، وفي مقدمها رحيل الملكة إليزابيث الثانية المفاجئ. عنصر المفاجأة لا ينفي صحة القول إن الوفاة كانت في حكم المُتوقع. لذا، بدا طبيعياً أن البهجة الشعبية التي واكبت، عفوياً، الاحتفالات ببلوغها «اليوبيل البلاتيني» على العرش البريطاني، الصيف الماضي -وهذه سابقة تاريخية تخصها، إذ لم يحققها أيٌّ من ملوك بريطانيا السابقين لها- كانت حاضرة بثقل وقعها الحزين في موكب جنازتها العالمي. أهم مصاعب بريطانيا خلال عام 2022، والراحلة معه إلى العام الجديد، يكمن في الوضع الاقتصادي. بالطبع، تعقيدات الاقتصاد البريطاني أخذت تزداد تشابكاً خلال السنوات العشر الأخيرة، وليس دقيقاً القول إنها نشأت بسبب أزمة فيروس «كورونا»، ومراحل الإغلاق التي مرت بها البلاد. التقييم الأدق يرى أن مسار حكم حزب «المحافظين»، منذ 2015، ثم استفتاء «بريكست»، وما ترتب على انتصار فريق مغادر الاتحاد الأوروبي، كل هذا أوصل بريطانيا إلى وضعها الاقتصادي الراهن.
بالطبع، زاد الوضع سوءاً، مع انفجار حرب روسيا - أوكرانيا، وما أدت إليه من ارتفاع أسعار الوقود والطاقة، خصوصاً الغاز، على نحو تجاوز كل حد معقول. أسهم هذا في دفع مستوى غلاء المعيشة إلى درجات لم تكن متوقعة، الأمر الذي أثمر بدوره موجة إضرابات بين مختلف قطاعات الأعمال لم يقع مثلها منذ سنوات بعيدة. عندما جرى التلويح باحتمال إضراب العاملين في حقول محددة، لم يكن ممكناً استبعاد عنصر الدهشة؛ بل بدا طبيعياً أن يطرح الناس استفساراً مثل: كيف يتيح الضمير لسائق سيارة إسعاف أن يُضرب عن العمل؟ ثم أتى التهديد بإضراب الممرضات، فتكرر التساؤل ذاته: حقاً، أيجوز أن تتوقف ممرضة عن العمل بأي مستشفى لمجرد أنها غير راضية عن قيمة دخلها السنوي؟
ذلك نوع من التساؤلات المشروعة، لكنها، مع ذلك، تضع جانباً حقيقةَ أن الإضراب حق مشروع أيضاً في مجتمعات الديمقراطية الغربية، حتى لو أدى التأثير إلى انعكاسات سلبية. وحين تسمع وجهات نظر تمثل المضربين والمضربات عن العمل في تلك القطاعات تحديداً، ربما تجد لهم ولهن المبرر. مساء الجمعة الماضي مرّ بي مثال شخصي من هذا القبيل. فقد تطلب وضع صحي مفاجئ لفرد في العائلة استدعاء سيارة إسعاف مع الفريق المدرب على الإسعافات الأولية. جرى الاتصال نحو التاسعة مساءً. لم تصل السيارة والفريق قبل مرور ساعتين وخمس وأربعين دقيقة. سألت: هل هذا بفعل الإضراب؟ قيل: نعم. حين أبديت دهشتي إزاء إضراب كهذا، سُئلت عمَّا إذا كنت أعلم أن أربع ممرضات بين كل عشر في بريطانيا يلجأن إلى مخازن التزويد المجاني بالغذاء «FOOD BANKS»، فلما أجبتُ بالنفي، اكتفى مُحدثي بابتسامة استغراب.
خلاصة القول هي أن آلام هذا البلد مرشحة للتصاعد مع عام جديد، إنما يبقى الأمل ألا تستفحل إلى حد وقوع شغب وفوضى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام بريطاني مؤلم عام بريطاني مؤلم



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 16:17 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"القوس" في كانون الأول 2019

GMT 21:52 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"الفيل الأزرق 2" يعيد قوة موسم الصيف

GMT 16:19 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

انتبه لمصالحك المهنية جيداً

GMT 14:20 2019 السبت ,29 حزيران / يونيو

طارق مصطفى يساند المنتخب أمام ساحل العاج

GMT 00:51 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

إسعاد يونس تعدّد صفات شريف مدكور برسالة دعم

GMT 09:39 2019 السبت ,06 إبريل / نيسان

أفضل الطرق لتسريحات الشعر الكيرلي في المنزل

GMT 05:32 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

قطر تُقرر مقاطعة نجوم " روتانا " بسبب الأزمة الخليجية

GMT 03:41 2015 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ستيفن كاري يشيد بجهود ليونيل ميسي مع "برشلونة" في الدوري

GMT 01:31 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

أحمد صلاح حسني يشيد بشخصيته في مسلسل "أبواب الشك"

GMT 18:51 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الديكورات الفرنسية الكلاسيكية لمنزل أكثر أناقة

GMT 14:23 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلان الإيطالي يبدأ التفاوض مع لاعب تشيلسي فابريغاس
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib