الحرب العالمية الثالثة الافتراضية بين نزهة «كورونا» ومأساة أوكرانيا

الحرب العالمية الثالثة الافتراضية: بين نزهة «كورونا» ومأساة أوكرانيا!

المغرب اليوم -

الحرب العالمية الثالثة الافتراضية بين نزهة «كورونا» ومأساة أوكرانيا

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

إلى كل من لا يزال يتشكك في أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت، كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أنها قد بدأت بالفعل، ولكننا بما أننا نعيش زمناً مختلفاً بأدوات جديدة ومختلفة، فإن الحرب هذه المرة تأخذ شكلاً مختلفاً واقعياً على الأرض في حالة وافتراضياً في حالات مختلفة أخرى، لعل أهمها هي الحالة الاقتصادية المذهلة.
حتماً هناك عالم جديد يبدأ في التشكّل والتكوّن، الأمل في علاقات سلمية على المستوى الكبير يتلاشى وبسرعة عظيمة. وكل الآثار السلبية للاقتصاد العالمي التي تسببت فيها جائحة «كوفيد - 19» المدمرة ستكون بمثابة نزهة في الحديقة مقارنة بمأساة اجتياح روسيا لأوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي الآخذة في التبلور والتكون بشكل سريع وكبير.

الخلطة المعقدة والمتشابكة التي كونها الصراع العسكري في حالة اجتياح روسيا لأوكرانيا، مضافاً إليها صدمات سلاسل الإمدادات المتهالكة والمتأخرة، بالإضافة إلى معدلات تضخم هائلة وعظيمة تؤثر على قدرات الشراء وإمكانية التوفير... في مجمل ذلك كله ستكون النتائج مدمرة ومؤثرة بشكل سلبي على الاقتصاد الدولي، الذي اعتمد على التكامل والتعاون لعقود من الزمن. هناك شواهد على الأرض لا يمكن إغفالها ولا إغفال آثارها المتوقعة لاحقاً؛ اتحاد قوي ما بين اقتصادات دول حلف الناتو والحلفاء معها، مثل اليابان وكوريا وغيرهما من الدول الأخرى المؤثرة اقتصادياً، بالإضافة إلى مجموعة غير مسبوقة من العقوبات الاقتصادية بحق روسيا وحلفائها، مع عدم إغفال التكلفة المتصاعدة لأسعار الطاقة بمختلف أشكالها، وبالتالي يصعب توقع المدى الذي ستصل إليه الأمور وتؤول إليه الأوضاع، ولكن من الآمن أن نقول إن الآتي لن يكون شكله إيجابياً ولا مطمئناً على المدى القصير بالنسبة للاقتصاد الدولي.
ويخطئ من يقول إن الصين، ذلك العملاق الاقتصادي المهم والمؤثر في العالم ستكون في جانب روسيا وتضحي بالجوائز الاقتصادية التي بنتها عبر عقود متأنية من الزمن في الأسواق الأوروبية تحديداً والغربية عامة، وخصوصاً الولايات المتحدة منها، من أجل الدفاع عن روسيا. الحساب الصيني مختلف تماماً، فللصين استثمارات طويلة الأجل في القارة الأوروبية وعلاقات اقتصادية مهمة جداً مع الولايات المتحدة وكندا واليابان لن تضحي بها لأجل حرب روسيا في أوكرانيا. الإنفاق العسكري آخذ في الازدياد بعد قرارات مهمة في المعسكر الغربي، الذي لا يزال معسكر حلف الأطلسي منه يسيطر على اقتصادات العالم، ويتفوق على ذلك بالمقارنة مع الاقتصاد الصيني والاقتصاد الروسي.
رؤوس الأموال التي تعبر عنها الأسواق المالية المختلفة حول العالم تنشد دائماً الاستقرار والأمان ضمانة لنمو العوائد، وهذا المناخ في هذه الظروف الآن غير متوفر، وانعكس ذلك بالسلب على كافة القطاعات بلا استثناء، بدءاً من المواد الغذائية وصولاً إلى السيارات وما بينهما، وهذا بطبيعة الحال سيكون انعكاسه على إضعاف قدرات المستهلك على الشراء والتوفير، وبالتالي كساد البضائع والخدمات لفترة غير واضحة الملامح. هناك إعادة رسم للخرائط الجغرافية بشكل عملي حول العالم بناء على مواقف الدول وقدراتها في هذه الأزمة التي ستخلق عالماً جديداً يجعل لمنظومة العولمة التي استثمرت فيها الدول المختلفة حول العالم نموذجاً من الماضي، ويحتاج إلى وقت ليس بالقصير حتى تعاد فيه الطمأنينة، وتبنى فيه الثقة مجدداً بعد هذه الصدمة الهائلة التي جاءت بعد أزمة صحية أثرت على الاقتصاد بشكل واضح.
صراع الحضارات وصراع الثقافات وصراع الأفكار والعقائد ليست دائماً فكرة جيدة ونتائجها حتماً ما ستكون سلبية وعواقبها مدمرة. هناك توحد غربي غير مسبوق ومعسكر يُعاد بناؤه في قلب أوروبا مرة أخرى بمواجهة خطر وجودي يهدد وجودها عبر آلية منظمة لاستعادة أمجاد إمبراطورية سابقة يقودها فلاديمير بوتين في دولة روسية تأمل في التوسع. في قلب أحداث الحرب الباردة التي تأججت في مواجهة المعسكرين السوفياتي والأميركي، ظهرت مصطلحات جديدة مثل العالم الحر كبديل للغرب، وأصبح هذا المصطلح الأداة التي يواجه بها المعسكر الغربي نظيره السوفياتي حتى سقوط جدار برلين وانتهاء الحقبة الشيوعية. اليوم هناك معسكران جديدان يتم بناؤهما سيكون فيهما الاقتصاد أكبر الضحايا، لأنه بالجدران التي أزيلت والحدود التي تم إلغاؤها من أجل ولصالح تبادل تجاري عالمي نشأ خطر وجودي مهم ستكون له عواقب مهمة ومؤثرة وبالغة الخطورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب العالمية الثالثة الافتراضية بين نزهة «كورونا» ومأساة أوكرانيا الحرب العالمية الثالثة الافتراضية بين نزهة «كورونا» ومأساة أوكرانيا



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib