كيف تفكر الصين

كيف تفكر الصين؟!

المغرب اليوم -

كيف تفكر الصين

حسين شبكشي
حسين شبكشي

عندما خرج الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، بعد فضيحة «ووترغيت» من البيت الأبيض، كتب مجموعة مهمة من الكتب السياسية طرح فيها وجهات نظره وخبرته لأهم التحديات التي ستواجه الولايات المتحدة في المستقبل، وذكر في سياق تصوراته أن الصين ستكون التحدي الأكبر الذي سيواجه أميركا. ولحقه بعد ذلك بسنوات المؤرخ الأميركي صمويل هانتنغتون في كتابه الشهير «صدام الحضارات» الذي وصف الصين بالصدام القادم مع الثقافة الكونفيوشوسية الصينية، وكان لافتاً جداً وصفه للصين بالثقافة الكونفيوشوسية، ولم يستخدم لفظ الثقافة الشيوعية الشمولية كما جرت عليه العادة في وصف الخصوم الشيوعيين، كما حدث من قبل إبان حقبة الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وكذلك لم يستخدم وصف الحضارة البوذية الموجودة في الصين ومنتشرة بكثافة. والوصف بالكونفيوشوسية لم يأتِ من فراغ، فالشيوعية جاءت كفكر دخيل على الثقافة الأصلية أي الكونفيوشوسية.

مع الصعود الصاروخي لاقتصاد الصين وأثر ذلك المتنامي على الساحة السياسية حول العالم، بات من الضروري محاولة الإجابة عن سؤال: كيف تفكر الصين؟ النتاج الثقافي التراكمي الذي أوصلنا إلى الصين المعاصرة من الممكن اختزاله بشكل أساسي في خمسة كتب أساسية ومحورية هي: 1 - تعاليم كونفيوشوس، وهو عبارة عن مجموعة أقوال لكونفيوشوس وأهم تلاميذه ومناقشات تمت بينهم. ولهذه التعاليم الأثر الأعظم على تكوين الفكر والقيم والمبادئ الصينية بشكل فلسفي معمق. 2 - هناك الكتاب بالغ الأهمية «آلاي تشنغ» أو كما يُعرف بالعربية «كتاب التغيرات»، وهو يشرح موجات الخير والشر في العالم بمفهوم «اليينغ» و«اليانغ»، وأهمية وواقعية التأقلم مع كل موجة منهما. والكتاب كتبه ون وانك ومستمَّد من المفكر فوشي قبله. 3 - وهناك كتاب «فن الحرب» للقائد العسكري الصيني الأسطوري صن تزوي الذي تحول إلى نصائح وتوجيهات للقيادة في السياسة والحروب والإدارة في عوالم الأعمال بشكل عام، واستُلهم منه كثير من القرارات السياسية اللافتة والمؤثرة والمهمة عبر التاريخ. 4 - الكتاب الأحمر الذي ألّفه الزعيم الشيوعي ومؤسس الثورة الثقافية التي أسّست لشيوعية الصين الحالية ماو تسي تونغ، وهو كتاب يحاول صياغة تاريخ جديد تماماً للصين يتم فيه إلغاء تام للتاريخ الإمبراطوري العريق الذي احتوى على كثير من الإشراقات والنجاحات السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، ليتضح للناس مع الوقت أن الكتاب الأحمر ما هو إلا مغامرة عبثية فشلت اقتصادياً ودمّرت زراعة الصين وعزَلَتها عن العالم تماماً.

أما الكتاب الخامس فهو مجموعة كتب الرئيس الحالي للصين شي جينبينغ التي حملت عناوين مثل «أفكار حول تعميق الإصلاح» و«حول الحكم والإدارة»، وقد وضع فيها أفكاراً في غاية الأهمية يصنع بها طريق الصين الجديدة لمحاولة الوصول إلى القمة. ومن الواضح جداً تأثر الرئيس شي بالكتب الأربعة المذكورة قبله، وهذا الأثر يقفز أمام القارئ لأفكاره بين سطورها. وبشكل غير مباشر هناك «نتيجة» و«اختراق» حصل بالنسبة للصينيين فيما يتعلق بالنسبة لسياساتهم مع أميركا. إذ يرون توقف منظومة هوليوود السينمائية تماماً عن انتقاد السياسات الصينية في أفلامها كما كان يحصل سابقاً، الأمر الذي يعد نتاج تهديد الصين (السوق الكبرى لها) بمقاطعة أفلام هوليوود إذا قامت بذلك، وهو التهديد الذي أخذه التنفيذيون في صناعة الأفلام الأميركية على محمل الجد. كذلك فعلت رابطة كرة السلة الأميركية التي خشيت من تهديد الصين بمقاطعتها بعد تصريح سياسي ضد الصين من أحد المدربين مما جعلها تقدم اعتذاراً رسمياً لأن الصين ببساطة هي السوق الكبرى للرابطة خارج أميركا.

هذا الموقف سيواجه السياسة الأميركية ضد الصين، بمعنى أن الآلية الاقتصادية الأميركية ستكون أول المعترضين على معاداة الصين نفسها، أو حسبما قال تنفيذي كبير في «جنرال موتورز»، كبرى شركات السيارات الأميركية: «نحن ننتج ونبيع سيارات في الصين أكثر مما نفعل في بلدنا بالولايات المتحدة». دبلوماسي صيني مرموق كان أحد المشاركين في ندوة سياسية مؤخراً علّق على مواجهة أميركا لبلاده ووصفها بالخطر الأهم الآن بقوله: «لا يمكن لأميركا أن تهزم الصين بعقلية الحرب الباردة واعتبارنا النسخة الجديدة من الاتحاد السوفياتي». في تعليق الدبلوماسي الصيني حكمة مهمة وبليغة ولكنها تحكي جزءاً غير مكتمل من الصورة الكبيرة أبداً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف تفكر الصين كيف تفكر الصين



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:16 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib