اسمعني وافهمني

اسمعني وافهمني!

المغرب اليوم -

اسمعني وافهمني

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

دخلت إلى المصعد في مشوار طويل ببرج شاهق لموعد عمل وتقديم المشورة لخطة تواصل واتصالات لشركة عالمية كبرى. نظرت ملياً في مرآة المصعد متذكراً أن مرآة المصعد دائماً ما تخبرك عن نفسك ما لم تكن تعرفه، وذلك في ثوانٍ سريعة جداً.
وصلت إلى موعدي، وبدأ الحوار عن أهم أسباب الإخفاق الحاصل في وصول الهدف من الرسائل والتواصل. إنه الأسلوب، وبعده المحتوى.
قال الرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت: «تكلم برقة واحمل عصا غليظة». وذلك لإيصال رسالتك بوضوح شديد، ونبّه أهم مؤلفي كتب تطوير الذات الأميركي ستيفن كوفي إلى أهمية الإنصات، وذلك بقوله: «احرص على أن تستمع أكثر من حرصك على أن يستمع إليك».
وموضوع الحوار والحديث والتواصل كان تحدياً للإنسان منذ القدم، بداية من مقولة أحد عمالقة الفلسفة الإغريقية سقراط، الذي قال: «تكلم حتى أراك»، وصولاً إلى المغني بهاء سلطان ومقطعه الغنائي الشهير الذي تحول مثلاً: «قوم أوقف وأنت بتكلمني».
في خطابنا الاجتماعي اليومي هناك قدر هائل من أسلحة الدمار الشامل اللفظية التي تستخدم لإيصال رسائلنا بصورة مهينة، ولكنها في الوقت ذاته مبطنة ومخفية. فأسهل وأسلس طريقة لقطع كلام شخص منطلق ومسترسل بلا توقف أن تفاجئه وتبادره بجملة: «من دون قطع لكلامك»، وهناك الطريقة المثالية والأسلوب الرائع لوضع فهم شخص ما في مكانه وقيمة نفس الشخص في مرتبة أدنى وفورية بأن تفاجئه وتبادره بقولك: «مع احترامي الكبير لحضرتك»، وإذا اضطرتك ظروف الحوار وتداعياته أن تستخدم كلمة لا تشبه ولا تليق بالحوار وأطرافه فعليك في الحال بطوق النجاة الفوري، المتمثل في جملة: «عذراً في هذه الكلمة»، وليس هناك أروع ولا أجمل ولا أكثر رقة وحناناً من أن تقدم الضربة القاضية مغلفة بالحرير والسلوفان بقولك: «عذراً يجب أن تعلم أن عيبي هو الصراحة».
كان هناك عرف عام وقاعدة معروفة فيما يخص التحدث في الشأن الخاص وحياة الأفراد. كانت تعرف بالخصوصية التي يجب حمايتها والحفاظ عليها من التطفل والفضول. وكانت القاعدة الذهبية لذلك هي «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان»، أو كما يقول المثل المصري العامي الشهير: «داري على شمعتك تقيد». حتى ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، التي حوّلت الخاص إلى عام، وباتت حياة الناس واجهة مفتوحة يراقبها الجميع، وأصبح الرضا غاية لا تدرك مع التزيين المستمر للحظات حياة البشر، ما يظهر أخبار وصور البهجة والفرح والسعادة والمرح والسرور، حتى يصل المتابع والمطلع أن هذه هي فعلياً ملخص حياة الجميع على هذا الكوكب البائس، ولا تملك إلا أن تندب حظك وتضرب رأسك في أقرب جدار أو تبلط البحر أو تشرب منه أو كل هذه الخيارات مجتمعة قبل الإصابة بالاكتئاب الحاد طبعاً!
لقد وقع الناس في الفخ، وتم استدراجهم من حيث لا يعلمون، بعد أن أصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي مصادر دخل وباب رزق وطريقاً للشهرة، بسبب مارك زوكربيرغ صاحب مواقع «فيسبوك» و«واتس آب» و«إنستغرام»، مع عدم إغفال أهمية ودور التطبيقات المنافسة الأخرى، مثل «يوتيوب» و«سناب تشات» و«تويتر»، وجميعها حولت مثل المداراة على الشمعة إلى نظرية جديدة تماماً، مفادها أن هذه الشمعة تستخدمها لتضعها فوق كعكة عيد ميلادك وتطفئها.
«إن من البيان لسحراً» حوّلها المستهترون إلى غير ذلك. فقدت الكلمة أهميتها لصالح مؤثرات أخرى، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ضوضاء. القياس على الفاعلية بات كمياً، وليس نوعياً أبداً، وبات عدد المتابعين وعدد المعجبين هو الذي يحدد الأهمية، وهي الظاهرة التي وصفها المفكر المصري الكبير جلال أمين وسماها «عصر الجماهير الغفيرة».
عندما تدرك أن هناك خللاً ما في رسائل يوجهها رموز المؤثرين وإبراز أولويات غريبة؛ يمتعض أي عاقل من هذه المسألة، تماماً كامتعاضه من احتساب هدف في مباراة مصيرية تم تسجيله بلمسة يد واضحة.
وتبقى أبلغ الرسائل هي المختصرة والواضحة، مهما كانت مؤلمة في صراحتها. أتذكر موقفاً حصل معي في إحدى المدن العربية، حيث علقت لوحة عملاقة كتب عليها: «عزيزي المواطن نعيد تذكيرك بأن الرصيف للمشاة والطريق للسيارات»، فقلت في نفسي؛ إذا كانت هذه المسألة لا تزال لم تحسم هنا حتى الآن، فالله المستعان. ولعل أبلغ مثال على قوة الرسالة هو ما رواه لي صديق، حصل بينه وبين إخوته خلاف مالي شديد جداً، وتدخل الأب مع صديقي، الذي هو أكبر إخوته، وقال الأب: «أرجوك يا ابني اقبل الوضع مع إخوتك على حسابك، حتى لو كان فيه ظلم لك، وخذ الباقي رضا والدين».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اسمعني وافهمني اسمعني وافهمني



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib