قمة ورؤية من أعضاء إلى شركاء

قمة ورؤية: من أعضاء إلى شركاء!

المغرب اليوم -

قمة ورؤية من أعضاء إلى شركاء

حسين شبكشي
بقلم : حسين شبكشي

اختتمت أعمال قمة جامعة الدول العربية الأخيرة والتي عرفت باسم «قمة جدة» بحالة من التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل للمنطقة. فما الذي تغير والكل يعلم يقيناً أن ثقة الشارع العربي في مؤسسة جامعة الدول العربية وصل إلى مستويات سلبية ومنخفضة بشكل غير مسبوق؟

فما الذي حصل لأجل أن تخرج هذه الانطباعات الإيجابية عن القمة الأخيرة؟ أدركت السعودية أن نموذج الأعمال business model الخاص بالجامعة منهك ومتعب وقديم، وأنه في حاجة ماسة إلى نوع من القسطرة السياسية حتى يتم تفادي العلاج بالصدمات الكهربائية لاحقاً؛ فأقدمت من قبل القمة على حراك استباقي لافت ومهم يمس أكثر من ملف، ويؤثر في عدد غير قليل من الصُّعد، وكلها كانت قرارات مفاجئة، ولكنها أثبتت بعد ذلك فاعليتها ووجاهتها.

فالسعودية التي تمر بمرحلة مهمة في إعادة هندسة اقتصادها ومجتمعها وتموضعها الاستراتيجي بين الأمم كقوة تستمد مكانتها من ثقلها الروحاني؛ كونها قِبلة مليار ونصف مليار مسلم حول العالم، ومكانتها الاقتصادية المهمة جداً وثقلها السياسي فقررت تصفير الخلافات مع الكل، وكان اتفاق العُلا المهم والذي طوى صفحة مؤلمة من الخلافات بين بعض الدول العربية، وكان اللقاء مع القيادة التركية الذي فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وبعد ذلك جاء الاتفاق مع إيران برعاية صينية، الذي كانت له آثار مهمة على المنطقة بصورة عامة.

مع عدم إغفال ذِكر القمة السعودية - الأمريكية والقمة السعودية - الصينية اللتين عقدتا في السعودية، وكان لهما الأثر اللافت والمهم على أكثر من صعيد. كل ذلك كان حاضراً بقوة في ذهن السعودية، وهي تستعد لعقد «قمة جدة» وهي تدرك تماماً أنها لا تملك عصا سحرية لإزالة الملفات العالقة والمعقدة كافة، وحلها بشكل فوري، ولكن الواقعية السياسية تقتضي العمل بالأدوات المتاحة وبالحد الأدنى الممكن من الإنجاز الإيجابي.

والسعودية قررت أيضاً ومنذ فترة تغيير أسلوب تعاملها مع فكرة دعم وإعانة ومساعدة الدول العربية مالياً واقتصادياً، بحيث تتغير وتتحول العلاقة بين سائل ومانح إلى علاقة شراكة مؤسساتية تفيد الأطراف المعنية كافة. تمنح الأموال المطلوبة ولكن بشكل استثماري يحقق العوائد مع إصلاحات هيكلية يمنع عن تلك الأموال البيروقراطية والفساد المحتمل.

وهذا نهج جديد وأسلوب مغاير تماماً لما جرت عليه الأمور المالية في السابق، ولكن كل هذه التغييرات هي جزء بسيط من «رؤية 2030» الشاملة، والتي تغطي كل التوجهات السياسية في السعودية بشكل مدهش ومثير حوّلها حديث العالم؛ لأنها باختصار تمكّنت من طي صفحات الزمن، وتسارعت التغييرات فيها بطريقة أبهرت العالم وأذهلته، وكان من الطبيعي أن ينتقل هذا التأثير الهائل إلى علاقة السعودية بجامعة الدول العربية.

تغيير نموذج الأعمال في جامعة الدول العربية مسألة ليست بالشيء البسيط أو السهل أبداً، ولكنها تتطلب تغيير ثقافة وإقناع عميق بأن كل سياسة أو قرار مالي يتطلب موافقة الشركاء كافة؛ وهذا سيعني أن الحفاظ على التنمية والاستقرار سيكون مطلباً أساسياً، ولن يكون مقبولاً فكرة تصدير الآيدولوجيا السياسية أو الدينية إلى الغير تحت أي ذريعة أو حجة أو سبب.

ثقل السعودية السياسي والاقتصادي المتزايد ومتابعة العالم للتغييرات المؤثرة التي تحدث فيها جعل بوصلة التأثير تتوجه صوبها بقوة شديدة جداً؛ لأن الأحداث أثبتت أن ما يحدث في السعودية لا يبقى في السعودية، فتأثيره على دول المنطقة جميعاً بلا استثناء.

انعقاد «قمة جدة» الأخيرة بحضور قوي وبيان سياسي شامل لا تحفّظ فيه أو عليه وبإجماع تام، في حد ذاته، نجاح يحسب للسعودية الجديدة التي تركت بصمة رؤيتها على جامعة الدول العربية، بعد أن فقد الناس الأمل فيها. جامعة الدول العربية هي واحدة من منصات سياسية كبرى كالأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة «أوبك» ودول العشرين تعمل السياسة السعودية فيها بشكل دؤوب على تفعيل هائل لدورها وثقلها المتزايد على الساحات الدولية كافة؛ لتحقيق أكبر العوائد السياسية والاقتصادية واستثمار ذلك لصالح خططها التنموية، وهذا بحد ذاته إنجاز لا يستهان به.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة ورؤية من أعضاء إلى شركاء قمة ورؤية من أعضاء إلى شركاء



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib