عقلانية القمة ووحشية السلاح وخطاب «الممانعة

عقلانية القمة... ووحشية السلاح... وخطاب «الممانعة

المغرب اليوم -

عقلانية القمة ووحشية السلاح وخطاب «الممانعة

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

في النسيج المعقد لسياسات الشرق الأوسط، تقاطعت 3 تطورات، يسلط كل منها الضوء على تعقيدات اللحظة الراهنة في مسار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والديناميات الإقليمية الأوسع المرافقة له. فمن ناحية هناك القمة العربية الإسلامية، ببيان ختامي لافت؛ لا سيما في حضور الرئيس الإيراني، ومن ناحية ثانية هناك التقدم العسكري الإسرائيلي في غزة الذي خالف التوقعات بخصوص كلفته الإسرائيلية، وثالثاً هناك التهافت المريع الذي بدا عليه خطاب محور المقاومة، ممثلاً بحسن نصر الله، في ضوء المآسي النازلة بالمدنيين الفلسطينيين.

نجحت القمة العربية الإسلامية في إقرار بيان ختامي يعكس إلى حد بعيد أولويات محور التعقل والاعتدال العربي، في مقاربة القضية الفلسطينية، على الرغم من حضور الرئيس الإيراني شخصياً إلى المملكة. اللافت في البيان الختامي، بعيداً عن النقاط الأساسية والكلاسيكية في مواجهة تطورات أمنية وعسكرية مماثلة، أن البيان أدان بلغة واضحة «قتل المدنيين»، وأن «لا فرق على الإطلاق بين حياة وحياة، أو التمييز على أساس الجنسية أو العرق أو الدين». فهذا الموقف عدا كونه موقفاً مبدئياً متجذراً في القيم الإنسانية والقانون الدولي، فإنه ينطوي على إدانة ولو غير مباشرة لعملية «حماس» يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتي أدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين الإسرائيليين. ويعد هذا الموقف المتقدم رافداً مهماً للموقف العربي الذي يؤكد الحاجة إلى التدخل الفوري لحماية المدنيين الفلسطينيين.

الخلاصة الرئيسية الثانية التي خرجت بها القمة هي إعادة التأكيد على «منظمة التحرير الفلسطينية» باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. تؤكد هذه النقطة ضرورة توحيد الفصائل الفلسطينية جميعها تحت مظلة «منظمة التحرير الفلسطينية»، بغية إنتاج جبهة فلسطينية متماسكة، لا بديل عنها لتحصين الموقف الوطني الفلسطيني. مهما بدا هذا الكلام مملاً، فإنه يبقى المسار الوحيد المثمر للفلسطينيين، والنقيض الموضوعي لمسار الانقسام بين غزة والضفة بمآلاته المأساوية الراهنة.

أما النقطة الثالثة في البيان فهي التأكيد على الالتزام بالسلام خياراً استراتيجياً للعرب، مع التركيز بشكل خاص على حل الدولتين والمبادرة العربية للسلام 2002 أساساً لجهود السلام الشامل والعادل.

أهمية هذه النقاط الثلاث أنها تسترد قيادة الموقف من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتحميها من أفخاخ المزايدات؛ لا سيما أنها أُقرت في ظل إجماع عربي وإسلامي، وبالارتكاز إلى مرجعيات موقف الاعتدال العربي الذي حاولت إيران وغيرها ضربها لحساب موقف يعتمد أكثر على خطاب المقاومة والكفاح المسلح.

وفي هذا السياق، بدا خطاب المقاومة ممثلاً بخطاب حسن نصر الله شديد الارتباك حيال تطور الأحداث الدموية في غزة. فبينما الفلسطينيون يُقصفون بأعنف ما شهدته الحروب السابقة مجتمعة، ويُفرض عليهم النزوح عن ديارهم، بشكل مهين، تسلح حسن نصر الله، نيابة عن المحور، بسيل من الكلام المكرر حول «الإنجازات» المتمثلة بصاروخ هنا ومُسيَّرة هناك، بينما الدبابات الإسرائيلية تسرح في وسط شمال غزة.

لقد أدخل هذا الخطاب الفلسطينيين في دوامة دمار ورعب لا يمكن تخيلهما، نتيجة التجاهل المَرضي لاختلال توازن القوى مع إسرائيل، وعدم تهيئة الساحة الفلسطينية وتزويدها بما يعينها على تحمل أكلاف الحرب. وقد أدى هذا النهج إلى مشاهد الدمار والتهجير، مما سلط الضوء على عواقب الاستراتيجية التي يبدو أنها تفتقر إلى البصيرة والواقعية.

أما على الجانب الإسرائيلي، وخلافاً للتوقعات التي رجحت فشل التوغل العسكري في غزة، والحديث عن احتمال ارتفاع التكاليف البشرية في صفوف الجيش، حقق الأخير تقدماً كبيراً داخل القطاع، واستعاد كثيراً من السمعة التي تبددت نتيجة عملية 7 أكتوبر الماضي. بيد أن هذا النجاح العسكري الإسرائيلي، حتى الآن، يبدو فاقداً بالكامل لأي أفق سياسي أو دبلوماسي يحدد ماهية المسار المستقبلي من وجهة نظر إسرائيل.

أمام هذه الوقائع الثلاث: مقررات القمة العربية الإسلامية، والموقف الإسرائيلي، وخطاب محور المقاومة، يرتسم موقف معقد يعاني من 3 انسدادات خطيرة.

فالقمة العربية الإسلامية تمتلك خطة سياسية واضحة ومتماسكة؛ لكنها تفتقر للأنياب الضرورية لفرضها مساراً واقعياً وعملياً لإنهاء النزاع. أما الموقف الإسرائيلي لحكومة بنيامين نتنياهو فكله أنياب؛ بلا أي ليونة سياسية أو مخيلة براغماتية قادرة على تطوير شيء مشترك، مع الفلسطينيين أولاً ومع الدول العربية ثانياً، بغية وضع حد لهذه السلسلة المتوالية من الأزمات. ويبقى خطاب محور المقاومة الذي يأسر المخيلة الشعبية مستفيداً من هول العذابات الفلسطينية، من دون أن يمتلك القدرة على المقاومة التي ترد عن الفلسطينيين جحيمهم الراهن، أو النبل لتنقية المناخ السياسي من المزايدات والانفعالات والميدانيات التي تعطل الحلول السياسية وتؤجل وقف المعاناة الفلسطينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقلانية القمة ووحشية السلاح وخطاب «الممانعة عقلانية القمة ووحشية السلاح وخطاب «الممانعة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 12:48 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان السبت 26-9-2020

GMT 11:52 2020 السبت ,07 آذار/ مارس

تشكيل الوداد لمواجهة النجم الساحلي

GMT 04:35 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

إليكم أفضل الأماكن في لبنان لهواة رياضة ركوب الشواطيء

GMT 12:34 2019 الخميس ,13 حزيران / يونيو

موزيلا ستطرح نسخة مدفوعة من فايرفوكس

GMT 01:29 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

10 صنادل مميّزة تكمل أناقة الرجل العصري في 2019

GMT 19:33 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

بايرن ميونخ يفقد أحد أسلحته أمام بريمن
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib