خيارات إسرائيل المقلقة

خيارات إسرائيل المقلقة!

المغرب اليوم -

خيارات إسرائيل المقلقة

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

ليست هناك مفاجأة في أحداث غزة إلا في التوقيت وحجم عملية «طوفان الأقصى». فغزة كانت تعيش وضعاً كارثياً تحت الحصار المستمر 17 عاماً تحت أنظار العالم، وفي ظل تجاهل كبير لمحنتها. والأوضاع في الساحة الفلسطينية عموماً بقيت تغلي منذ أن قرر بنيامين نتنياهو والمتطرفون الإسرائيليون وأدَ حل الدولتين، وساعدهم العالم على ذلك بإزاحة القضية الفلسطينية من أجندة الاهتمام، بينما استمرت سياسات التوسع الاستيطاني وقضم الأراضي، وتشديد الضغوط على الفلسطينيين، وتصاعد الاستفزازات في القدس.

إحساس الفلسطينيين بالغبن لا بد أن يكون ازداد وهم يرون ازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع الأزمة الأوكرانية، وعلو الأصوات عن الحقوق المشروعة، والقوانين الدولية، ومقاومة الاحتلال، بينما يتلاشى هذا الكلام عندما يتعلق الأمر بهم وبقضيتهم.

ماذا كانت تتوقع إسرائيل والعالم إذاً؟

داخل إسرائيل، كانت هناك أصوات ولو قليلة، تحذر من أن إغلاق طريق السلام، وسياسة الغطرسة، والتمادي في هضم حقوق الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم، ستقود إلى تفجير الأوضاع. لكن العالم لم يأبه لتلك الأصوات، ما جعل حكومة نتنياهو تتمادى في سياساتها التصعيدية، وغطرستها إلى أن بوغتت بـ«طوفان الأقصى»، الذي ستكون له تداعياته بالتأكيد.

إسرائيل تحشد الآن لهجوم بري واسع متوقع في أي لحظة، و«حماس» والحركات الفلسطينية الأخرى لا بد أن تكون قد وضعت ذلك في حساباتها عندما أقدمت على هذه العملية، وبالتالي استعدت له. المعركة المتوقعة ستكون أصعب من كل سابقاتها بالتأكيد، وستكون خسائر الطرفين أكبر. القتال في شوارع غزة الضيقة، وأحيائها المكتظة بالسكان سيكون عملية صعبة وربما يعني قتالاً أطول مما حدث في حرب صيف عام 2014 التي استمرت 51 يوماً. حجم الخسائر المادية والبشرية، وعدد الصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية، وأطنان القنابل والمقذوفات التي ألقتها إسرائيل على القطاع طيلة فترة تلك الحرب، تم تجاوزها اليوم حتى قبل أن يبدأ الاجتياح البري المتوقع.

التفكير الإسرائيلي يبدو منصباً على عملية ضخمة لإحداث أكبر دمار ممكن في غزة، و«تأديب» حركة حماس والفصائل المتحالفة معها. فقد أكد الأدميرال دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في تصريحات يوم الثلاثاء، أن مئات الأطنان من القنابل أسقطت بالفعل على غزة، وأقر بأن «التركيز ينصب على الضرر وليس على الدقة». فإسرائيل تمارس الآن سياسة العقاب الجماعي سواء بالقصف غير المسبوق، أو بوضع غزة تحت حصار شامل.

إسرائيل لو فكرت بعقلانية فإن كل عملياتها السابقة في غزة أو في الضفة، لم تحقق لها سوى هدن متقطعة في أفضل الأحوال، أما السلام الحقيقي فيبقى بعيد المنال. كل القوة المميتة التي تستخدمها، والقبة الحديدية، والجدار المكلف، والمراقبة الإلكترونية والجوية المستمرة، لم تنجح في حمايتها وانكشفت بوسائل بسيطة جداً وبعضها بدائي استخدمتها «حماس» والفصائل المشاركة معها في «طوفان الأقصى». جرافات تدمر الجدار وتفتح ثغرات فيه لعبور المقاتلين، عبور بالسيارات وطائرات شراعية، ودراجات نارية، وحافلات التوكتوك، وموجات من صواريخ لا تقارن بأحدث التقنيات العسكرية التي تملكها إسرائيل.

المشكلة أن إسرائيل لن ترى الأمور من هذا المنظور، بل إن نتنياهو، تحت الضغط الراهن واتهام حكومته بأكبر فشل أمني، قد يفكر أيضاً في إعادة احتلال قطاع غزة، وهو خيار لن يكون بالغ التكلفة لإسرائيل فحسب، بل سيقود المنطقة كلها إلى وضع كارثي مفتوح على كل الاحتمالات، بما فيها توسيع رقعة الحرب وتداعياتها، وخلق مزيد من عوامل زعزعة الاستقرار لا سيما مع صعود اليمين الإسرائيلي الذي يريد محو القضية الفلسطينية تماماً، بينما بدأ كثيرون يجاهرون بدعوات طرد الفلسطينيين وتهجيرهم وتفريغ الأرض منهم.

في مايو (أيار) الماضي، كتب المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة «هآرتس»، محذراً من أنه بعد نجاح نتنياهو واليمين المتطرف في قتل حل الدولتين سيكون هناك مخططان أو احتمالان لنهاية نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) الذي تسير فيه إسرائيل؛ «أحدهما يفضله اليمين المتطرف وجميع الإسرائيليين تقريباً، وهو وقوع نكبة ثانية. ففي حال وصلت المواجهة إلى ذروتها، ووجدت إسرائيل نفسها أمام خيارين: إما نظام يقوم على دولة ديمقراطية واحدة لشعبين، وإما طرد جماعي للفلسطينيين من أجل الحفاظ على الدولة اليهودية، فإن الخيار المرجّح والواضح لكل يهودي إسرائيلي تقريباً هو طرد الفلسطينيين».

مثل هذا الخيار الثاني هو الذي يجعل الكثير من دول المنطقة تقلق من سياسات نتنياهو، ومن انسداد أفق السلام الفلسطيني. لهذا لم يكن غريباً أن تسارع القاهرة للرد على ما بدا أنه محاولات إسرائيلية لتشجيع سكان غزة على التوجه إلى مصر بحثاً عن الأمان من القصف العنيف المتواصل منذ أيام.

إسرائيل تريد وتتمنى نفض أيديها من القضية الفلسطينية وترحيلها إلى الدول العربية الأخرى. تريد تطبيعاً بلا مقابل حقيقي، وسلاماً بلا ثمن أو تنازلات. هذا تفكير لن يحقق حلاً، أو استقراراً، بل سيزيد في تأزيم الأوضاع.

الحقيقة التي لا مفر منها أنه لا حل ولا استقرار من دون سلام عادل، وهذا له ثمن لا تريد إسرائيل دفعه. وطالما بقي الأمر على هذه الحال، وظلت أجندات نتنياهو واليمين المتطرف تدفع باتجاه مزيد من السياسات التوسعية، ومحاولات محو القضية الفلسطينية، فسوف تستمر دورات العنف والحروب، ولن تعرف إسرائيل السلام، ولن تنعم المنطقة بالاستقرار الذي تتوق إليه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات إسرائيل المقلقة خيارات إسرائيل المقلقة



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي

GMT 08:03 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

ما الذي سيقدمه "الأسطورة" في رمضان 2018؟

GMT 20:50 2018 السبت ,24 شباط / فبراير

خفيفي يعترف بصعوبة مواجهة جمعية سلا

GMT 17:06 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

وليد الكرتي جاهز للمشاركة في الديربي البيضاوي

GMT 06:59 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

كليروايت تغزو السجادة الحمراء بتشكيلة متميزة

GMT 17:54 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الفالح يُعلن أهمية استمرار إجراءات خفض إنتاج الخام

GMT 19:57 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مهرجان أسوان لأفلام المرأة يفتح باب التسجيل بشكل رسمي

GMT 05:45 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

ابتكار روبوت مصغر يتم زراعته في الجسم

GMT 23:06 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

مشروع الوداد يؤخر تعاقده مع غوركوف
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib