في ذكرى نجم

في ذكرى نجم

المغرب اليوم -

في ذكرى نجم

خالد منتصر
بقلم : خالد منتصر

ليس أجمل من اختيار كلمات صلاح عيسى في وصف تجربة أحمد فؤاد نجم، ألفة مبدعي المقال الصحفي يكتب عن واحد من أهم مبدعي الشعر العامي، هذا الاقتباس من عيسى: بعد هزيمة 67 تتالت البلاغات الشعرية.. طارت على أشعة الشمس.. وتخللت نسمات الهواء، لتستنشقها صدورنا المصدومة الذاهلة، الأشبه بفرخة مذبوحة ترفرف بجناحيها من حلاوة الروح فتعيد إلينا الأمل، بأن الهزيمة ليست نهاية التاريخ، وأن الانتصار ممكن.

وأن «الأعداء داخل جلودنا كما أنهم خارج حدودنا، وتتدافع جموعنا إلى حجرته الضيقة في ذلك المنزل القديم في تلك الحارة الضيقة من حواري الوطن فنذهل حين نراه شاعراً كهلاً.. نحيل القامة.. كحيان.. ومغن ضرير غلبان.. وغرفة ناحلة لا تضم سوى كنبتين من الخشب.. ومقعد بثلاث قوائم ورف ومرآة مكسورة».

كان آخر ما يمكن أن نتصوره، هو أن يكون هذا الشاعر الصعلوك هو صوت الغضب القادم، وأن تكون تلك الغرفة الفقيرة العاطلة عن الجمال والجلال، هي مجمع أحزاننا المستجدة وبئر أحلامنا العميقة.. مع أنها – مكاناً وسكناً – تكاد تخلو من كل المؤهلات التقليدية التي تجعلها صالحة لذلك، فلا "تاريخ نضالي" ولا "عذاب سيزيفي" ولا "غربة وجودية".. بل مجرد غناء عذب، شجي، بسيط وصوت واثق قوي، وسخرية تفجر الضحكات والدموع.. وجسارة لا تخاف ولا تتردد ولا تحسب، لأنها لا تملك ما تخاف عليه، ولا تسعى لكى تملك ما قد يجعلها تخاف عليه.

في تلك السنة التي كان عارها يجللنا، وهزيمتها تتوجنا بأكاليل الشوك، ومذاقها في حلوقنا كطعم الخل، تخلق الظلام فولد "أحمد فؤاد نجم" بين أطلال الهزيمة.. ليكون هو ذاته "أحمد الزعتر".. الذي وصفه "محمود درويش" بأنه "أحمد العادي".. المولود من حجر وزعتر.. القائل دائماً: لا.. جلده عباءة كل فلاح سيأتي من حقول التبغ كي يلغي العواصم ويقول: لا.. جسده بيان القادمين من الصناعات الخفيفة والتردد والملاحم نحو اقتحام المرحلة ليقول: لا.. ويده تحيات الزهور.. وقنبلة مرفوعة كالواجب اليومي ضد المرحلة.. لتقول: لا"!

فيما بعد كنت أتأمل ظاهرة "نجم" الإنسانية بشيء من الدهشة الممزوجة بالإعجاب البالغ.. وكنت أتساءل: كيف حدثت هذه المعجزة؟ من الذي حوّل هذا الكائن الجذاب خفيف الروح المؤهل تماماً لكي يكون نصاباً دولياً يبيع شعره في أسواق النخاسة والموالد وسراديب القصور، إلى يد مرفوعة بالواجب اليومي ضد المرحلة؟!

واكتشفت وأنا أتأمل مشاعري تجاه "نجم" الإنسان، و"نجم" الشاعر، و"نجم الفاجومي" العنيد، العصي على الإفساد، أنني أمام ابن البلد الحقيقي، الذي أتمنى أن أكونه، وأن جلده هو فعلاً عباءة الفلاحين القادمين من حقول القمح، وبيان القادمين من الصناعات الخفيفة ليقوموا بالواجب اليومي ضد الهزيمة، وأن هذا هو الشعب الذي أحببته وعشقته، وعجزت عن التعبير عن ذلك كما يجب، وأنه يغني من قلبي، ويستلهم شعره من روحي، وأن كل ما مضي من عمره كان تهيئة لتلك اللحظة التي يغمر فيها الطوفان كل شيء، فإذا روح الشعب القوية، هي سفينة نوح التي تنقذ أرواحنا وجنسنا ووطننا وأمتنا من الانهيار، تهاوت الأحلام الأوهام وسقطت "المؤسسة" بكل زخارفها اللفظية وطقوسها الشكلية، وعنترياتها الكلامية، وآن الأوان لأن يغني ابن الشعب أحمد "العادي" فؤاد نجم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ذكرى نجم في ذكرى نجم



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib